صور الحشود البشرية من الأفغان التي يزدحم بها محيط مطار كابول تثير الكثير من التساؤلات من منظور الصحة العامة ومكافحة الأوبئة وتضع المنظمات الصحية والإنسانية في العالم وفي الإقليم أمام تحديات جسيمة تتعلق بتوفير الاحتياجات الأساسية والرعاية الصحية لتلك الحشود سواء حول مطار كابول أو في المطار نفسه أو في محطات الإيواء المؤقت أو محطات العبور أو في أماكن الوصول.
ومن بين تلك الحشود مختلف الأعمار من رجال ونساء وأطفال وكبار السن ومرضى بأمراض مزمنة وبعض الحالات المتقدمة ولا أعتقد أن هناك جهة واحدة بمفردها تستطيع التصدي لها أو تتوافر القدرات والمهارات لدى النظام الصحي للتعامل معها.
لهذه الأسباب ظهر تخصص جديد في الصحة العامة، وهو طب الحشود، ولم ينتشر الاهتمام بهذا التخصص على نطاق واسع من قبل لأن الحشود لم تكن على الصورة التي نراها الآن والتي تجتمع بها تخصصات فرعية متعددة وللتصدي لها واحتوائها فإننا نحتاج إلى مهارات غير تقليدية وهذا ما ننتظره من كليات ومعاهد لإعداد الكوادر الصحية والطبية من أطباء وتمريض وفنيين وإدارة صحية لأن التعامل مع الحشود البشرية ليس له نطاق جغرافي أو زمني محدد ولا يمكن التنبؤ به، ولكن يجب الاستعداد له مهنيا وفنيا وعلميا لتستفيد كليات الطب والصحة العامة من الدروس التي تنتج عن الحشود البشرية من تحديات ستواجه الصحة والنظم الصحية في الحاضر والمستقبل بسبب القرارات السياسية التي ترتبت عليها الحشود بالآلاف وهم بالقطع أسعد حظا ممن تحولوا إلى أشلاء بشرية علقت بعجلات الإخلاء العاجل من مطار كابول وسقطت من حسابات الحشود البشرية التي وضعت مبادئ واتفاقيات حقوق الإنسان أمام امتحانات صعبة.
إن أبسط قواعد وأساسيات الصحة العامة تنتهك في كل لحظة بالتجمعات البشرية التي تنقل صورها إلينا عبر وسائل الإعلام، وهذه التجمعات ليست ثابتة، بل متحركة من محطات الانطلاق إلى محطات العبور والإيواء المؤقت ومحطات الوصول والاستعداد للإقامة الكاملة بالمقرات الجديدة.
وما يحدث في أفغانستان الآن وما يترتب عليه من تحديات للصحة العامة ليس ببعيد عن دول إقليم شرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية لأن الكويت وأفغانستان أعضاء في هذا الإقليم كذلك فإن هناك أكثر من دولة من دول الإقليم تمثل محطات عبور للقادمين من أفغانستان وفي طريقهم إلى الولايات المتحدة الأميركية والدول الأخرى، ومن ثم فإن التدريب على طب الحشود بدول الإقليم يبدو أولوية إنسانية ومهنية ملحة وليست مجرد فكرة.
وأعتقد أن الوضع الصحي في أفغانستان سيفرض نفسه على جدول أعمال الاجتماع الإقليمي لشرق المتوسط للمنظمة والذي سيعقد على مستوى الوزراء في شهر أكتوبر المقبل بالقاهرة للجنة الإقليمية لشرق المتوسط، ويجب علينا وعلى دول الإقليم أن تستعد من الآن لتجهيز السيناريوهات المحتمل حدوثها في هذا السياق الإنساني.
