عِنْدَمَا تُستثمر الْعُقُول..
نحنُ لَا نلمَس مِنْ وِعَاءِ الطَّبْخ إلَّا حَرَارَة الْغِطَاء وَلَا نَأْكُلُ مِنْ مَا طُهي فِيهِ إلَّا عِنْدَمَا يَبرد, أَمَّا مَا يَدُور دَاخِل الْوِعَاء مِن تفاعلات حَرَارِيَّة وكيميائية وتفكك بَيْن الجُزيئات فِي عَمَلِيَّة الطَّهْي فَنَحْنُ لَا نَشْعُرُ بِهَا. كَذَلِك عِنْدَمَا يُعاني العُلماء والمُفكرين والأطبّاء فِي بحوثهم المُضنية لِصنع لُقاح يفيدنا فَلَا نَشْعُر بمُعاناتهم وَفَقَط نستهلك مَا اجْتَهَدُوا فِيهِ حَتَّى يَصِلَ استخدامنا.
فِي زَمَنِ انْتَشَرَت فِيه الجَرَاثِيم والأوبئة وَالْأَمْرَاض المُستعصية اجْتَهَد الْبَاحِثُونَ فِي عِلْمِ (Virology) وَهُوَ أَحَد فُرُوع عِلْمُ الأَحْيَاءِ الدَّقِيقَة (microbiology) اجتهدوا لِإِيجَاد لُقاح نَاجِع وناجح يُخلّص الْبَشَرِيَّة مِنْ هَذَا الْوَبَاء الْقَاتِل، بَيْنَمَا اجْتَمَع الْبَشَر الَّذِينَ هُمْ خَارِج نِطَاق الْبَحْث شاخصين أَبْصَارَهُم مُنْتَظِرِين نَتِيجَة بحوثهم تِلْكَ الَّتِي امتهنوها.
أَعْلَنْت بَعْض الدُّوَل خُرُوج سيطرتها عَلَى انْتِشَار الْمَرَض واحتوائه لِيَصِلَ إلَى ذُرْوَتَه رَغِم امتلاكهم أَقْوَى العَتاد وَالْعِدَّةِ فِي عِلْمِ التسلّح فَهُوَ لَا يَنْدَرِجُ فِي مَفَاهِيم ما هم فِيهِ الْآنَ إلَّا الْبَاحِثِين فِي عُلُومِهِ لَا زَالُوا منكبّين فِي بحوثِهم رَافِعِين رَايَة عَدَم الاِسْتِسْلاَم.
تِلكم الْفِئَة مِنْ الْبَشَرِ لَيْسُوا فِي مَعْزِلٍ عَن هَذا الْعَالم وَلَا يَمْلِكُونَ مَا يَمْلِكُهُ غَيْرِهِمْ مِنْ مَادَّةٍ، هُم بَشَرٌ مِثْلُنَا إلَّا أَنْ امتلاكهم لمُسمّى فِكْر البَحْثِ العِلْمِيّ خَارِج نِطَاق إيديولوجية الْمَادَّةِ هِيَ الَّتِي انْفَرَدُوا بِهَا فِي هَذَا الْعَالَمُ المُتطبّع بِمَفْهُوم سأشتري مِنْهُم وسَأكل مِن طَهيِهِم عِنْدَمَا يَجهَزُ ويَستَوِي.
الْعَالَم يَعِيشُ فِي تَمْجيد هاجِس الشُّهْرَة عَلَى حِسَابِ التسلّح فِي عِلْمِ البَحْثِ العِلْمِيّ وَعِنْدَمَا تستعصي الْحُلُول يُدْرِكُون الْخَطَأُ فِي توجّههم الَّذِي اتَّبَعُوه وَهُوَ مَا غَفَلَ عَنْهُ الْكَثِيرِين مِن صنّاع الْقَرَارِ فِي الْعَالم، حَتَّى أَصْبَحَ البَاحِثُ لَا يُساوي قِيمَةَ ذَلِكَ الْمَشْهُورُ مِنْ تَمْجيد وتَبْجِيلٌ وَلَكِنَّهُم يهرعون إلَيْهِ عِنْدَ اشْتِدادِ الصِّعَاب والمِحن وَخُرُوج السَّيْطَرَة عَن هاجسهم الفِكْرِيّ.
الْخِتَام:
تَحِيَّة إجْلَال وتَبْجِيلٌ لتلكم الْفِئَة الْبَاحِثَة مِنْ الْبَشَرِ الَّذِين اِسْتَخْدَمُوا سِلَاح الْفِكْرِ فِي الْبَحْثِ لِتَخْلِيص الْبَشَرِيَّة مِن طَاعُون الْعَصْرِ الَّذِي يَزْحَف فِي الْخَفَاءِ ليحصد أَرْوَاح الملايين وحقًا مَن فكّر وعَمل لَيْس كَمن عَمل قَبْل التَّفْكِير وَمَن أَوْجَد مَعَامِل لِلْبَحْث الْعِلْمِيّ لَيْسَ كَمَنْ نَادَى بِالْقُوَّة فِي الْعَالَمِ ليعلن لِلْعَالم خُرُوج سَيْطَرَتِه عَن زَحَف قُوَّة أُخرى تُجَاهَه عَجَز سِلَاحَه عَن تَدْمِيرِهَا وقَتلها فَفِي الّليلة الظَّلْمَاء الَّتِي يُفتقد فِيهَا الْبَدْر تَجِد النُّور ينبعثُ مِنْ بَيْنِ مَعَامِل تِلْك البُحُوث الْبَشَرِيَّة وَمَن استَثّمرَ الْمَال لِيَشْتَرِيَ لَيْسَ كَمَنْ اِستَثّمرَ الْعَقْل لِيَبِيعَه.
الْكَاتِب: مَحْفُوظ رَاشِد الشِّبْلِيّ
@
