يعد علم الصيدلة من العلوم الضاربة في عمق الزمان، فقد أظهرت الأبحاث أن الداء والدواء توافق وجودهما مع ظهور الحياة على الأرض، ولذلك لا يمكن التفريق بين تاريخ الطب وتاريخ الصيدلة لأنهما أشبه بتوأمين وضعهما بطن واحد، وقد بقي الطب والصيدلة مهنتين يقوم بهما شخص واحد فترة طويلة من الزمن، ولم تتمايز هاتان المهنتان وتبدأ إحداهما بالانفصال عن الأخرى إلا في نحو القرن العاشر الميلادي في عهد الدولة العباسية عصر النهضة الإسلامية.
وتاريخ الصيدلة واسع الأركان عميق البنيان، وقبل الخوض في سجلاته لا بد من الوقوف على بعض التعاريف والمفاهيم، التي أولها «أجزاخانة»، حيث اعتمد مجمع اللغة العربية بالقاهرة لفظ الأجزاخانة مرادفا لدكان الصيدلية، وفي المعجم الوسيط صيدل.. بمعنى من احترف الصيدلة. والصيدل: حجارة الفضة وشبه بها حجارة العقاقير.
الصيدلاني: هو من يعد الأدوية ويبيعها والعالم بخواص الأدوية، والجمع صيادلة، والصيدلي يعادل الصيدلاني.
الصيدلية: هي المكان الذي يباشر فيه الصيدلي عمله ويحفظ ما يمتلك من عقاقير وأدوية ونحوهما. وجاء في المورد المزدوج أجزاخانة بمعنى صيدلية Pharmacy، drugstore) وأجزائية بمعنى صيدلية، وأجزائي بمعنى صيدلي: Pharmacist druggist.
وفي الموسوعة العربية الميسرة.. الصيدلة مهنة مزاولة تحضير الدواء، وهي علم وفن وصناعة وتجارة، ولفظ صيدلة قيل إن أصله هندي، جاء من الفرس ومعناه العقار والدواء، وأصله العربي «صيدنة» نسبة إلى عطر «الصندل»، والقائم بالعمل صيدلاني أو صيدناني أو صندناني، واللفظ المستعمل الآن «صيدلي».
وقيل إن علم الصيدلة نسبة إلى الصندل ومحرفة عنه، وقيل إن هذا اللفظ باللغة السنسكريتية – لغة الهنود القدماء جندل، والصحيح أن لفظ الصندل اسم عربي، أخذه الإفرنج من العرب، وأبدلوا الدال تاء أو طاء، ثم ذكر أنه شجر منظره كمنظر الآسي، وذكره داود الأنطاكي في تذكرته، فقال: شجر يشبه الجوز إلا أنه سبط.
وقيل إن العرب نقلوا كلمة الهنود «الجندل» إلى لغتهم بلفظ صندل أو صيدل، وجعلوا النسبة إليه صيدلي أو صيدلاني، وسموا محل العمل الصيدلية، وأطلقوا على الصناعة: اسم الصيدلة.
وعرف علم الصيدلة في القرون الوسطى بأسماء كثيرة، منها: علم الأدوية – علم المفردات – علم العقاقير – علم الأقراباذينيات، جمع أقراباذين.. (Pharmacopoeia) وهي مأخوذة من أصل يوناني.. وقد استعملها علماء العرب والمسلمين لتعطي معنى الأدوية المركبة أو تركيب الأدوية، وقد يدل اللفظ على دستور الأدوية.
ويرجع إلى علماء العرب والمسلمين إطلاق اسم علم الصيدلة، وأن القائم به يعرف بالصيدلي أو الصيدلاني، وقد نقل علم الأدوية أو العقاقير إلى الأوروبيين باسم Drague.
والصيدلة متصلة بعلم الأعشاب والنبات وبعلوم الحيوان والمعادن وبالكيمياء، لأن الأدوية نباتية وحيوانية ومعدنية ثم هي تحتاج إلى معالجة وإلى نسب في التركيب وتقتضي المعرفة بالكيمياء، وقد نقشت الوصفات الطبية على العظم والطين المحروق والجلد والكتان والمعادن والحجر والخشب وأوراق البردي، وكانت هذه هي بداية دساتير الأدوية، أو ما تسمى الآن بـ «الفاروما كوبيات Pharmacopoeia».
