صِلْ من قَطعك – بقلم : مشعل السعيد
ليس كل إنسان باستطاعته أن يصل من قطعه والإحسان إلى من أساء إليه، فقد يكون الأمر غاية في الصعوبة عند البعض، وبالفعل هناك أناس لا يحتملون ذلك، وعلى الجانب الآخر هناك من يقدرون على وصل من قطعهم والإحسان إلى من أساء إليهم، أولئك الذين استمسكوا بعروة الله الوثقى، واهتدوا بهدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فملأ الصفاء والنقاء قلوبهم، فهانت عليهم الدنيا بما فيها، فذلل الله لهم مصاعب الحياة، تأملوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك»، هذا الحديث الشريف كما ترون جامع للأخلاق والآداب وحسن المعاملة، وهو منهج قويم لحياة هادئة، ونحن في هذا الزمان أحوج ما نكون إلى تطبيق هذا المنهج القويم على أنفسنا.
وقد حثنا ديننا الإسلام على التواصل والتزاور، والبعد عن التخاصم والتدابر والعداء، وصلة من قطعك معناها أن تفعل ما تعد به واصلا برا رحيما، فإن انتهى الطرف الآخر عما هو عليه من قطيعة وإلا تحمل الإثم وحسيبه الله تعالى، وفي ذلك دلالة واضحة على مكارم الأخلاق وصلاح المنشأ، والترغيب في صلة الرحم، وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر جليا، حيث قال أيضا «من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه». إن صلة الرحم عمارة النعم ودافعة للنقم، ولما نزل قول المولى عز وجل (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) (الأعراف: 199) سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام: ما تأويل هذه الآية؟ قال: حتى أسأل، فصعد ثم نزل فقال: يا محمد، إن الله يأمرك أن تصفح عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك.
أما الإحسان إلى من أساء إليك، ففيها خيارات أفضلها مسامحة من ظلمك، وهذا خلق المصطفى صلى الله عليه وسلم ونحن أولى باتباعه والاهتداء بسنته، فإن لم تطاوعك نفسك على مسامحته ففوض أمرك إلى لله تعالى وهو حسبك، وفي ذلك يقول الشاعر:
وذو سفه يواجهني بجهل
فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة وأزيد حلما
كعود زاده الإحراق طيبا
هذا ودمتم سالمين.