في ظل الهواء البارد تحت وحدة التكيف المنزلي من ماركة هيتاشي وأثناء مشاهدتي للرسوم المتحركة على تلفاز باناسونيك؛ كلاهما شركات يابانية عريقة، نشاهد الرسوم المتحركة اليابانية والتي تسمى بال “أنمي”. كلمة ال “أنمي” اختصار من كلمة “انميشن” الإنجليزية، وتعني الرسوم المتحركة مثل قريندايزر إلى كابتن ماجد وحتى سانشيرو وكونان وغيرهم الكثير. وكانت المحطات التلفزيونية تتحفنا بعجائب الابتكارات اليابانية من سيارات، إلكترونيات، روبوتات، البطيخ المربع والاهم لعبة الحصن الشهيرة فأصبح لدي قناعة بأن اليابان مكان مختلف ومميز والأكثر تطوراً في العالم.
زرت اليابان ولأول مرة في عام ٢٠١٨م لأكتشف البلد ولزيارة صديق كان يعيش هناك لهدف التعلم اللغة اليابانية في إحدى الكليات، وعشت هناك شهر في ضواحي مدينة “طوكيو” عاصمة الإمبراطورية اليابانية. وأثناء إقامتي هناك تبحرت في ثقافتهم، عاداتهم وتقاليدهم وتاريخهم ولاحظت أن الشعب الياباني محترم جدا ودؤوب بعمله ويهتم بدقة الوقت والمواعيد. تجولت في طوكيو ورأيت انها مدينة تجارية وثرية بالأعمال والمرافق العامة والمجمعات التجارية، ووسائل النقل تعد جزءًا مهم من معالم المنطقة مثل قطار “الطلقة” ذهبت فيه الى مدينة كيوتو حيث تبعد عن طوكيو حوالي ٤٨٠ كيلو متر واستغرقت الرحلة ساعتين من الوقت لوصولي الى تلك المدينة على كرسي “الطلقة”.
ولم أتفاجأ بانه معدل الحياة في اليابان أعلى معدل في العالم وهذا طبعا بفضل الله وبسبب تناولهم الأكل الصحي والبحري والشاي الأخضر وحركة المشي السريع لانتقالهم من مكان الى مكان اخر، فهم يمارسون رياضة المشي ويستعملون القطارات للأماكن البعيدة وقليل جدا مما يستخدمون السيارات. ومن خلال جولاتي في طوكيو وجدت مسجد ويعتبر هذا المسجد الوحيد في طوكيو ويقع في حي “شيبويا” وقد اسسه محمد عبد الحي القربان سنة ١٣٥٧ه على طراز المساجد التركية، بل يوجد مسلمين يابانيين في اليابان ولكن قليل جدا. فتعتبر الأعراق المختلطة أقليات في المجتمع الياباني ومعظم اليابانيين كلاهم من البوذية والشنتوية الديانتين الرئيستين لهم. فاستذكرني ما كنا نسمعه ونحن صغار من مقولة الشيخ محمد عبده عندما ذهب لمؤتمر باريس عام ١٨٨١م وعاد عند العرب وقال مقولته الشهيرة “ذهبت الى بلاد الغرب رأيت الإسلام ولم أرى المسلمين وذهبت بلاد العرب رأيت المسلمين ولم أرى الإسلام”.
وجدت انه التاريخ الإسلامي في اليابان حديث نسبيا، ويذكر انه في سنة ١٣٠٨ه ارتادت احدى السفن العسكرية التركية موانئ اليابان ولكنها تحطمت في عودتها، فأرسلت اليابان احدى بواخرها تحمل الأحياء من السفينة التركية الى إسطنبول، وكان هذا اول اتصال إسلامي رسمي لليابان. وعندما اندلعت الحرب بين روسيا واليابان في بداية القرن التاسع عشر زاد ارتباط اليابان بالعالم الإسلامي. ووصل الى اليابان العديد من المسلمين كان بينهم الداعية عبد الرشيد إبراهيم الذي طرد من روسيا بسبب نشاطه الإسلامي. وأسلم العديد من اليابانيين على يديه وازدهر انتشار الإسلام في اعقاب الحرب العالمية الثانية بعودة الجنود اليابانيين من البلاد الإسلامية في جنوب شرقي آسيا.
في سنة ١٩٤٥م نهاية الحرب العالمية الثانية، شنت أمريكا قصف ذري على مدينتي “هيروشيما وناقازاكي”، توفى حوالي ١٤٠ ألف شخص في “هيروشيما” و٨٠ ألف شخص في “ناقازاكي”. مما أدى إلى رضوخ الإمبراطور والاستسلام الكامل لقوات التحالف بدون أي شروط. فكانت اليابان قوة عظمة وضد الانفتاح لدول الجوار وخاصة الغرب وبعد الحرب انفتحت للعالم إجبارا وأصبحت اليابان منفتحة على العالم الغربي بالكامل.
يقول المثل الياباني: “يستحيل الوقوف في هذا العالم دون الانحناء أحياناً”
اليابان اليوم من ضمن أكبر ١٠ اقتصادات في العالم، توسعت بصناعات الالكترونيات والسيارات عقب الدمار الذي أصابها في الحرب العالمية الثانية، فهذه الدولة وشعبها أبهروا العالم بصبرهم وإرادتهم القوية وتفانيهم لخدمة وطنهم.
الكاتب: سعود عبدالقادر الأحمد
