جزء لا يتجزأ من المجتمع.. ماذا تعرف عن مسيحيي الكويت؟

يعد المسيحيون جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي الكويتي، وهم ثاني أكثر الديانات انتشاراً بين السكان بعد الإسلام في البلاد، ولهم دور عبادة خاصة بهم، ويمارسون عقائدهم بكل حرية.

ويعد الوجود المسيحي في الكويت أصيلاً تاريخياً وليس مستحدثاً مع حصول الهجرات العمالية إلى البلد الغني بالنفط، حيث دخلت المسيحية إلى الكويت قبل 15 قرناً تقريباً.

وفي ضوء ذلك تثار تساؤلات واستفسارات حول عدد سكان الكويت المسيحيين، ونسبة المواطنين منهم، علاوة على أبرز الكنائس التي يرتادونها، ومدى إسهاماتهم في المجتمع المحلي.

مسيحيو الكويت

دخلت المسيحية إلى الكويت بين القرنين الخامس والسادس للميلاد؛ حيث اكتشفت آثار كنيسة شبيهة بالكنائس الشرقية في جزيرة فيلكا، وتقع الكنيسة في منطقة القصور في الجزيرة، وكانت تُستعمل حتى العهد العباسي، إلا أنها هُجرت فيما بعد.

وحين تأسست إمارة الكويت في القرن السادس عشر الميلادي جذبت الكثير من التجار العرب والفرس والأفارقة والأرمن المسيحيين، خصوصاً في ظل ما اشتهر عن الإمارة منذ ذلك الحين بالتسامح الديني.

وحالياً يصل عدد الكويتيين المسيحيين في الكويت إلى ما بين 290 إلى 400 شخص، مشكّلين فئة من أصحاب الدخل المرتفع وحملة الشهادات الجامعية المتوسطة والعليا، ويغلب عليهم الطابع التجاري، وهم يشكلون ما نسبته 0.02% من عدد السكان الإجمالي.

وينحدر مسيحيو الكويت من عائلات حصلت على الجنسية الكويتية بعد صدور قانون الجنسية عام 1959، وينتمي معظم المسيحيين في الكويت إلى 12 أسرة كبيرة، من أبرزها “شماس وشحيبر وغريب والموسى ومنصور وبشارة”، والذين كان لهم دور محوري في تطوير قطاعي الأمن والصحة في الكويت.

ب

ووصل عدد سكان الكويت المسيحيين، في يونيو 2018، إلى 832.475 نسمة، أي نحو 18.2% من مجمل سكان الكويت، ونحو 26.2% من مجمل الوافدين في البلاد، وفق أرقام الهيئة العامة للمعلومات المدنية الكويتية، فيما لم تكن أعدادهم تتجاوز نحو 400 ألف شخص فقط، عام 2010، وفق تقرير مركز “بيو” للأبحاث الأمريكي.

ويتوزع المسيحيون في الكويت على الكنائس الكاثوليكية التي تشكل أكبر الطوائف في البلاد، تليها الأرثوذكسية، وأخيراً البروتستانتية.

وتعود أصول المسيحيين في الكويت من ناحية إثنية إلى دول آسيا وأوروبا والأمريكيتين، إضافة للقادمين من بلاد الشام ومصر، إلى جانب أقلية صغيرة من العرب والمواطنين المحليين.

وتُمارس الطوائف المسيحية شعائرها الدينية بحرية تامة، وهم يحملون إلى جانب المواطنين المسيحيين الكويتيين أكثر من 70 جنسية؛ ولا يجدون أي صعوبة في أداء شعائرهم، إضافة إلى الكتب المقدسة المترجمة بأكثر من 35 لغة لجميع الجاليات، ولكن تكمن المشكلة في ضيق دور العبادة ومحدوديتها.

وتوجد في الكويت 8 أو 9 كنائس معترف بها، بينها مجمع للكنائس في قلب العاصمة، تخدم جميع السكان الذين يعتنقون الديانة، حيث يمارسون جميع طقوسهم وشعائرهم وعباداتهم ويحتفلون بأعيادهم.

ب

أعلام وكنائس

ورغم قلة المواطنين المسيحيين في البلاد فإنهم ساهموا بشكل ملموس في نهضة الكويت على عدة أصعدة؛ “سياسية واقتصادية وعلمية”، فكان منهم رجال دين وإعلاميون ودبلوماسيون وأطباء.

ولعل من أشهر الشخصيات الكويتية المسيحية القس عمانويل غريب، راعي الكنيسة الإنجيلية الوطنية في الكويت، وهو من أصول تركية قدمت إلى الكويت قديماً، وعائلة أبيه من أصول آشورية تعود أصولها إلى قرية كربوران بمحافظة ماردين الواقعة في جنوب شرقي تركيا، حيث ولد ونشأ والده، أما أمه فتنتمي إلى طائفة السريان الأرثوذكس، وتعود أصولها إلى مدينة الموصل العراقية، ويمثل الأقلية المسيحية في الكويت، ويعتبر أول قس خليجي معاصر يشغل هذا المنصب، كما أنه أول رجل دين مسيحي يرتدي زي الكنيسة إضافة إلى الكوفية خلال أداء الطقوس الدينية، لكنه يرتدي الزي الشعبي الكويتي في الأيام العادية.

تم انتخاب عمانويل غريب قساً للكنيسة الإنجيلية عام 1992، ونُصب راعياً للكنيسة عام 1999، ويعتبر القس عمانويل أول مسيحي كويتي يكون راعياً للكنيسة الإنجيلية الوطنية في البلاد.

ومن الشخصيات الأخرى سعيد يعقوب شماس، الذي شغل منصب سفير الكويت في نيويورك عام 1963، وروسيا (الاتحاد السوفييتي آنذاك) عام 1967، وفرنسا عام 1969، وكينيا في 1972.

وكذلك سهيل شحيبر، الذي شغل منصب سفير الكويت في سويسرا، أما هاني شحيبر فهو طبيب في جراحة القلب، ومن أبرز الأطباء بالبلاد، فيما شغل خليل شحيبر منصب وكيل مساعد في وزارة الداخلية وسلك الشرطة.

أما بخصوص الكنائس فقد بنيت أول كنيسة في الكويت في عام 1931، وأطلق عليها اسم “الكنيسة الإنجيلية الوطنية”، بعدما كانت تعرف بكنيسة المسيح، وأصبحت عضوة في مجلس كنائس الشرق الأوسط، تبع ذلك بناء كنيسة في مدينة الأحمدي عام 1948، وسُمّيت “سيدة شبه الجزيرة العربية”.

وتملك الكويت العديد من الكنائس الكاثوليكية على أراضيها؛ منها “كنيسة العائلة المقدسة” التي تأسست عام 1961، إلى جانب “الكنيسة الرومانية الكاثوليكية”، وأبرشية “القديسة تريزا” في السالمية، وأبرشية “القديس دانيال كمبوني” في جليب الشيوخ.

أما الأرمن المسيحيون فيعود وجودهم في الكويت إلى عام 1958، ويبلغ تعدادهم نحو 6 آلاف أرمني، لديهم كنيسة ومدرسة، وفي أبريل 2019 اعترفت الحكومة رسمياً بكنيسة “يسوع المسيح” لقديسي الأيام الأخيرة (المورمون).

ي

حريات دينية

ساهم التنوع المجتمعي في الكويت، وتبني مبدأ الديمقراطية والمواطنة والتعددية، في نشوء أجواء من الحريات الواسعة، التي سمحت للسكان على مختلف أديانهم ومشاربهم ومذاهبهم بأداء شعائرهم دون أدنى خوف أو حرج.

وفي إطار ذلك قال فادي حداد، أحد المسيحيين المقيمين في الكويت: “كثيراً ما يستغرب من يقابلني بأنني أعتنق الديانة المسيحية، فلا يمكن التفريق بيينا وبين المسلمين بالشكل أو اللباس، ومعظم أصدقائي الذين درست معهم في المدرسة والجامعة مسلمون”.

وأضاف حداد البالغ من العمر 29 عاماً، في حديث مع “الخليج أونلاين”، أن عائلته قدمت إلى الكويت منذ أكثر من 30 عاماً بعد الحرب الأهلية في لبنان، ويشعر أن الكويت بلده التي ينتمي لها، فهو يتقن اللهجة المحلية، ويرتدي أحياناً (الدشداشة والغترة والعقال).

وأكّد أنه يعرف جميع الطقوس الإسلامية، وجرب الكثير من العبادات كالصلاة والصيام، ويتمنى لو يستطيع أن يحج، مبيناً أن يعتز باكتسابه لهذا الموروث الثقافي الواسع.

وبيّن أن “العرب المسيحيين بعمومهم هم أبناء الثقافة الإسلامية، وهم أقرب إلينا من أبناء ملتنا في البرازيل أو الفلبين، فعاداتهم وتقاليدهم وأطعمتهم مختلفة، فيما تجد الكثير من المتشابهات بين أبناء المشرق”.

ويعتقد حداد، الذي تخرج مهندساً في جامعة الكويت، ولديه اهتمام بقراءة التاريخ عموماً، أن “الحريات الدينية هنا ممتازة. أنا لست شديد التدين ولا أذهب إلى الكنيسة كثيراً، لكن حينما أذهب أشعر بالراحة، فلا توجد نظرات تلاحقني وكأنني غريب”.

ولفت قائلاً: “أحب لبنان وأجواءها، ولكن أزماتها المستمرة تجعلني منتمياً أكثر للكويت التي احضتنت عائلتي وعشت فيها معظم سنوات حياتي، وأتمنى لها ولأهلها الخير الدائم”.

بل

من جانبه قال القس بطرس غريب، راعي كنيسة الروم الكاثوليك بالكويت: “نشكر الله على ما نتمتع به من حريات دينية في الكويت، ومن تعامل الجيران الراقي لنا، ولكننا في الوقت ذاته ندعو إلى إقامة مجمع كنائس على أرض كبيرة مثل قطر وسلطنة عُمان، فالكويت كانت أول بلد بها حرية دينية”.

وشدد غريب على أن “الكنائس ليس لديها دخل أو أوقاف”، قائلاً: “ليست لدينا أوقاف أو أموال نصرف منها على الكنيسة، ومصادر دخلنا من تبرعات الرعايا ومساعدات الأسر الكبيرة في الكويت”، وفق صحيفة “الأنباء” المحلية.

وطالب في الوقت ذاته بأن تصرف رواتب شهرية لرؤساء الكنائس مثل “أئمة المساجد، وبدفع مصروفات الإيجار والكهرباء والماء وخلافها”.

بدوره قال ميتروبوليت بغداد والكويت وتوابعهما لطائفة الروم الأرثوذكس، المطران غطاس هزيم: إن “الكويت بلد الحريات الدينية، وكل من يعيش على أرضها يتمتع بحريته الدينية، ونحن كمسيحيين نتمتع بتلك الحرية مع توفير كل الأجواء المناسبة العبادة”، وفق الصحيفة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.