8( كونا( — بعد عشرة أعوام على ما يسمى ب)الربيع العربي( ومخاضه العسير تقف تونس حاليا أمام لحظة مفصلية ومفترق طرق
رسمتهما الأحداث الأخيرة في الساحة السياسية وقرارات الرئيس قيس سعيد وسط إجماع عام على التمسك بالدستور وسالمة الوطن ووحدته والخروج من الأزمة.
وبدأ المشهد السياسي الحالي مع إعلان الرئيس سعيد جملة قرارات وتدابير استثنائية في إطار الفصل 80 من الدستور متمثلة بإعفاء رئيس الحكومة هشامالمشيشي من مهامه وتجميد عمل واختصاصات المجلس النيابي مدة 30 يوما ورفع الحصانة البرلمانية عن كل أعضاء مجلس نواب الشعب فضال عن تولي رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة يعينه الرئيس سعيد.
واستدعت هذه التطورات اهتماما كبيرا تعدى الساحة المحلية التونسية لينتقل إلى العالمين العربي والدولي تمثل بالقلق إزاء تطورات الأوضاع في هذا البلد الذي يرزح تحت وطأة تفشي جائحة )كورونا( فضال عن ملفات أخرى مرتبطة بالقضايا المعيشية واالجتماعية والتنموية وغيرها.
وفي آخر تصريح له طمأن الرئيس سعيد الرأي العام المحلي والخارجي بتأكيده أنه لن يتجاوز أو يخرج عن الدستور داعيا الجميع داخل تونس وخارجها إلى االطمئنان الى انه يحتكم للقانون والدستور.
في المقابل أبدى رئيس حزب )حركة النهضة( ورئيس البرلمان راشد الغنوشي استعداد الحزب “لتقديم أي تنازالت من أجل إعادة الديمقراطية” قائال ”الدستور أهم من تمسكنا بالسلطة”. ودعا الغنوشي في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية الخميس الماضي الى”حوار وطني في البلاد”. وأكدت منظمات ونقابات تونسية تبنيها للمطالب الشعبية التي عبر عنها الشارع التونسي داعية الرئيس سعيد لوضع )خريطة طريق( للخروج من الأزمةالصحية واالقتصادية التي تشهدها تونس.
جاء ذلك في بيان مشترك لالتحاد العام التونسي للشغل ونقابة الصحفيين التونسيين وهيئة المحامين وجمعية النساء الديموقراطيات وجمعية القضاة ورابطةالدفاع عن حقوق اإلنسان ومنتدى الحقوق االقتصادية واالجتماعية.
في موازاة ذلك أبدت أحزاب ومنظمات وشخصيات تونسية تفهمها للتدابير االستثنائية التي اتخذها الرئيس سعيد بتجميد البرلمان وإعفاء الحكومة لكنها طالبته بطرح “خريطة طريق” للخروج من االزمة المتفاقمة في البالد.
ودعا حزب )التيار الديمقراطي( في بيان الرئيس التونسي إلى “تقديم خريطة طريق تضمن العودة إلى الوضعية الدستورية االعتيادية وتتضمن التدابير التي سيتم اتخاذها في إطار العمل على تنقية المشهد السياسي واختيار رئيس حكومة ذي كفاءة ونزاهة يشكل حكومة قادرة على مواجهة تحديات المرحلة.
وحمل حزب التيار الديموقراطي المسؤولية الكاملة في ما آلت إليه األوضاع من تدهور للمنظومة ل)حركة النهضة( الرافضة ألي محاولات لإصلاح بما فيها تعطيل محاربة الفساد والتواطؤ مع الفاسدين طوال فترة حكمها.
من جهته قال حزب )تحيا تونس( الذي يترأسه رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد إن “عجز المنظومة السياسية أصبح واقعا ملموسا حتمته الصراعات السياسية والنظام السياسي واالنتخابي”.
وشدد في بيان على “ضرورة إقرار خريطة طريق واضحة إلصالح المنظومة السياسية وتحديد الخطوات المقبلة من حكومة انقاذ وطني دون إقصاء وبرنامج إنقاذ صحي واقتصادي عاجل وطمأنة الشركاء الدوليين لتونس”.
بدوره دعا المكتب السياسي ل )حركة مشروع تونس( في بيان الرئيس التونسي الى توضيح برنامج العمل و”وضع خريطة طريق في اطار مؤتمر وطني عاجل لالنقاذ ينتهي بتنظيم استفتاء شعبي لتغيير النظام السياسي وتعديل المنظومة االنتخابية برمتها”.
وأوضحت الحركة انه “ال يمكن قراءة التدابير التي اقدم عليها الرئيس التونسي اال في اطار السياق السياسي المتسم بتأزم الأوضاع من جهة وعجز الأليات الدستورية عن ايجاد الحلول الأزمة”.
من جانبه أعلن )الاتحاد العام التونسي للشغل( في بيان انه سيطرح “خريطة طريق” تتضمن عددا من التصورات المتعلقة بالجانب السياسي واالقتصادي امام
الرئاسة التونسية لالستئناس بها خلال المرحلة المقبلة.
وأقر الأتحاد ب “سالمة الإجراءات التي اتخذها الرئيس” مشيرا الى انه “لن نبقى مكتوفي الأيدي الآن تونس في حاجة إلى وقفة حقيقية ويجب أن نمد يدنا نقاذ تونس وسنعمل على دعم رئاسة الجمهورية للقيام بالأصالحات”.
بدوره قال رئيس المجلس الوطني التأسيسي السابق مصطفى بن جعفر في بيان “ننتظر من الرئيس سعيد أن يقدم خريطة طريق واضحة المعالم وأن يجعلهامنصة لالنطالق بعيدا عن منطق الإقصاء والتشفي وانتهاج مبدأ الحوار الشامل دون اقصاء”.
من ناحيته قال القيادي المستقيل من )حركة النهضة( لطفي زيتون في بيان ان هناك نوعا من االرتياح لدى الشعب التونسي وتقبال لما حصل عقب إعالن
الرئيس قيس سعيد تجميد عمل البرلمان بموجب الفصل 80 من الدستور ورفع الحصانة عن النواب باإلضافة الى إقالة المشيشي.
وشدد زيتون على أن “ما وقعلإ كان مسألة ضرورية إليقاف االنحدار وإليقاف االنفصام الشديد بين الدولة وشعبها” داعيا )حركة النهضة( إلى “التفاعل
اإليجابي مع قرارات الرئيس واجراء االصالحات المطلوبة وتجنب أي تصعيد”.
وكان الرئيس سعيد أعلن نيته “إطالق مصالحة مع 460 رجل اعمال متهمين بنهب نحو 6ر4 مليار دوالر من المال العام على ان تخصص هذه االموال
النشاء مشاريع وتطوير البنى التحتية في المناطق الفقيرة”.
وبالنسبة لمنعكسات المشهد السياسي التونسي عربيا ودوليا فقد أكدت الكويت وقوفها الى جانب االشقاء في تونس وأنها ستواصل القيام بدورها الطبيعي مع أشقائها في تونس لشد أزرهم والوقوف إلى جانبهم وفق ما ذكر بيان رئاسي تونسي. في األثناء تلقى وزير الخارجية وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الكويتي الشيخ الدكتور أحمد ناصر المحمد الصباح اتصاال من وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي استعرضا خالله التطورات الراهنة التي تشهدها
تونس في إطار العالقات األخوية المتينة التي تربط البلدين الشقيقين. إلى ذلك أكدت األمم المتحدة أنها تواصل اتصاالتها مع الحكومة التونسية بهدف تشجيع القادة التونسيين وأصحاب المصلحة على “حل الخالفات بسرعة عبر الحوار والتراضي والتصرف بمسؤولية للحفاظ على الهدوء”.
من جانبه أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن شراكة الواليات المتحدة “القوية” مع الشعب التونسي ودعمها “المستمر” له في مواجهة التحديات “المزدوجة” المتمثلة في “أزمة اقتصادية” وجائحة فيروس )كورونا المستجد – كوفيد 19.)
وكان وزير الشؤون الخارجية التونسي عثمان الجرندي اكد أن قرارات الرئيس سعيد تهدف إلى استعادة االستقرار في تونس وضمان ديمومة مؤسساتها بالأستناد الى احكام دستور البلاد.
وأكدت المملكة العربية السعودية وقوفها إلى جانب كل ما يدعم أمن واستقرار تونس واحترامها لكل ما يتعلق بالشأن الداخلي التونسي وتعده أمرا سياديا.
وذكرت الخارجية السعودية ان المملكة تؤكد ثقتها بالقيادة التونسية في تجاوز هذه الظروف وبما يحقق العيش الكريم للشعب التونسي وازدهاره وتدعو المجتمع الدولي الى الوقوف إلى جانب تونس في هذه الظروف لمواجهة تحدياتها الصحية واالقتصادية.
وكان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بحث مع الرئيس التونسي هاتفيا آخر تطورات األوضاع في تونس وأكد له ضرورة تجاوز الأزمة السياسية الراهنة وأهمية أن تنتهج األطراف التونسية طريق الحوار لتجاوزها وتثبيت دعائم دولة المؤسسات وتكريس حكم القانون من أجل مصلحة الشعب التونسي والحفاظ على استقرارها.
من ناحيته دعا رئيس مفوضية االتحاد االفريقي موسى ففي إلى احترام الدستور في تونس والحفاظ على السالم واعتماد الحوار السياسي لحل القضايا الخالفية وتجنب كافة أشكال العنف.
كما أكدت الحكومة البريطانية أنها تراقب عن كثب تطورات االوضاع السياسية في تونس داعية جميع االطراف الى حماية المكاسب الديموقراطية.ودعت روسيا إلى معالجة الوضع في تونس في اطار القانون كما دعت مواطنيها هناك الى توخي الحذر واالبتعاد عن التجمعات الجماهيرية.وأكد الاتحاد الأوروبي ضرورة ترسيخ الديموقراطية واحترام القانون والدستور والإطار التشريعي في تونس مع االهتمام برغبات وتطلعات الشعب التونسي داعيا إلى استعادة االستقرار المؤسسي في أقرب وقت ممكن لاسيما استئناف النشاط البرلماني واحترام الحقوق الأساسية ومنع جميع أشكال العنف.ودعا الأمين العام لالتحاد البرلماني الدولي مارتن تشونغونغ جميع الأطراف في تونس إلى إيجاد حل سلمي للأزمة السياسية الحالية. )النهاية(