تحدث الخبير الفلكي عادل المرزوق عن الطقس خلال هذه الفترة خصوصا مع اقتراب ظهور نجم سهيل وانكسار درجات الحرارة، حيث أوضح بعض التفاصيل حول هذا النجم، ولماذا أطلق عليه هذا الاسم.
في البداية قال المرزوق: عزيزي القارئ نحن الآن في الأيام المتوقع فيها ظهور نجم (سهيل) والتي تسمى بفترة دلوق سهيل، حيث من المتوقع أن يدلق هذا النجم أو يظهر في يوم الثلاثاء القادم الموافق 24/8/2021 وفترة دلوق سهيل هي فترة مشهورة جدا ويعرفها أغلب الناس في منطقة الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية، بل يتساءلون عنها في الصيف والشتاء بقولهم «متى يدلق سهيل؟».
وهذه الفترة سبق لنا أن تكلمنا عنها يوم الاثنين الموافق 9/8/2021 في جريدة «الأنباء» وذكرنا ان نجم سهيل «يعتبر من نجوم نصف الكرة الأرضية الجنوبي. أما بالنصف الشمالي من الكرة الأرضية فيظهر فيه هذا النجم أواخر الصيف، ودائما يكون باتجاه الجنوب».
وتابع المرزوق: ونجم سهيل هو من النجوم المشهورة التي عرفها العرب وأعطوه الاهتمام منذ القدم بالإضافة إلى أنهم اهتموا كذلك بمنازل النجوم الأخرى ومطالعها حيث ارتبطت هذه النجوم بحياتهم اليومية بسبب اعتمادهم على الشهور القمرية التي تقل مدة (11) يوما عن السنة الشمسية، وأدى هذا النقص بمدة السنة القمرية إلى اعتماد العرب على مطالع النجوم ومنازلها كتعويض عن نقص الأيام في السنة القمرية لأن مدة فترة تقويم السهيل الذي يعتمد على النجوم هي نفس مدة السنة الشمسية.
فقد ارتبطت هذه النجوم بالحياة اليومية لسكان شبه الجزيرة العربية وعرفوا من خلالها وقت دخول فصول السنة المختلفة، كما عرفوا من خلالها أيضا أوقات البرد والحر والفترات التي تسقط فيها الأمطار حيث ان حياة العرب اعتمدت كليا على التنقل والترحال بحثا عن الكلأ والمرعى الجيد لحيواناتهم، لهذا فقد أطلق قدماء العرب على نجم سهيل أسماء عديدة مثل السهيل اليماني أو نجم اليمن، وترجع تسميته بـ«اليماني» الى أنه يطلع جهة الجنوب فيقولون عن الكعبة المشرفة وفي الركن الجنوبي منها بالركن «اليماني» أي الركن الجنوبي وبالركن الشمالي منها بالركن الشامي نسبة الى الشام التي تقع شمال شبه الجزيرة العربية.
ويشير نجم سهيل إلى جهة الجنوب حيث لا يوجد نجم يدل على اتجاه النجم الجنوبي كما هو الحال إلى نجم الدب الأكبر الذي يشير إلى القطب الشمالي، لكن في نصف الكرة الجنوبي وبسبب ظهوره الدائم هناك يعتبر تجاوزا هو الاتجاه إلى الجنوب.
وهناك هناك خطأ شاع بين الكثير من الناس بالنسبة إلى ظهور هذا النجم ورؤيته، حيث ان هناك من الناس من يعتقد بأنه من بعد يوم 24/8 من كل عام وهو يوم دلوق نجم السهيل وهو ظهوره في سماء المنطقة وأنه يمكن رؤيته النجم في كل مكان في شبه الجزيرة العربية من بعد هذا التاريخ، ولكن توضيحا لهذا الخطأ المنتشر عند الكثير من الناس فإننا نشير إلى أن أول مدينة رئيسية في شبه الجزيرة العربية يمكن أن تشاهد نجم السهيل هي مدينة عدن اليمنية التي تقع في أقصى الجنوب من شبه الجزيرة العربية، حيث يمكن رؤية هذا النجم هناك في يوم 28/7 وأن آخر مدينة عربية خارج شبه الجزيرة العربية يمكن أن تشاهد هذا النجم هي مدينة بيروت اللبنانية، حيث يمكن أن يشاهد هذا النجم في يوم 15/9 ويستمر هذا النجم ظاهرا في سماء المنطقة حتى يوم 22/3 حيث يغيب عن سماء شمال الكرة الأرضية، ويختفي عن شمال الكرة الأرضية فقط ولكنه يكون موجودا في جنوب الكرة الأرضية ولا يغيب عنها ثم يبدأ في الظهور مرة أخرى من بعد بداية شهر (7) أو شهر يوليو في كل سنة.
ولكن بالنسبة إلى مناطق وسط شبه الجزيرة العربية فإن نجم «سهيل» يستمر في الظهور في هذه المنطقة لفترة تزيد على ثمانية أشهر وبمدة تتجاوز على (6) ساعات يوميا، وقد تكون أغلب هذه الساعات التي يظهر فيها هذا النجم تكون خلال فترة النهار، ولذلك تتعذر رؤية هذا النجم في هذه المنطقة (من بداية شهر (5) حتى منتصف شهر (8)) حيث يكون فوق الأفق مباشرة فتغطيه أشعة الشمس خلال النهار فتصعب رؤيته ولكن يبدأ بالظهور مرة أخرى خلال شهري (9-10) بالفجر وقبل شروق الشمس يستمر (نجم سهيل) بالتقدم في شروقه، حيث يكون خلال شهري (12-1) في أقصى فترة للظهور له في منتصف الليل، أما في شهري (3-4) فيشاهد في جهة الغرب في أول الليل ومن ثم يغيب قبل منتصف الليل ويستمر في التقدم حتى يكون شروقه ومغيبه في وسط شبه الجزيرة العربية يكون متزامنا ومتطابقا مع وقت شروق الشمس ومغيبها، أي أن فترة ظهوره تكون في ساعات النهار وهي الفترة التي تكون من بداية شهر (5) إلى منتصف شهر (7) وهي الفترة التي لا يمكن للعين المجردة أن ترى هذا النجم في هذا التاريخ أو حتى قبل هذا التاريخ وهي الفترة التي يغيب فيها نجم سهيل.
ونظرا لوقوع شبه الجزيرة العربية بين خطي عرض في الشمال (30 درجة شمالا) وخط عرض في الجنوب (12.5 درجة شمالا) وهي المنطقة التي يظهر فيها نجم سهيل، ولذلك فإن رؤيته النجم تكون شبه منعدمة في المناطق التي يكون موقعها تتجاوز خط العرض «38» درجة شمالا التي تشمل وسط القارة الأوروبية وفي الوقت نفسه فإنه يمكن رؤية النجم في جنوب خط العرض (30) درجة شمالا من بعد يوم 24/8 في المنطقة.
والكويت وهي ضمن مناطق شبه الجزيرة فيمكن رؤية نجم سهيل فيها في فجر يوم 1/9 أو شهر سبتمبر من كل عام في الساعة (5:03) صباحا يكون شروق النجم في اتجاه الجنوب من الجنوب الشرقي والذي يسمى في ديرة أو (بوصلة) أهل البحر في الماضي يكون اتجاهه «مطلع السهيل» ويكون موقع هذا النجم فوق الأفق مباشرة واقل من (درجة واحدة) في اتجاه (158) درجة من البوصلة.
كما أنه يمكن رؤية هذا النجم في أقصى جنوب شبه الجزيرة العربية قبل يوم 30/7، فقد ربط عرب شبه الجزيرة العربية «دلوق سهيل» أو طلوع هذا النجم في سماء شبه الجزيرة العربية ببعض التغيرات التي تطرأ على مناخ المنطقة والتي تحدث من بعد يوم 15/8 ليس بتأثير ظهور هذا النجم فهو مثله مثل غيره من النجوم ليس له أي تأثير على المناخ على الإطلاق، فالفلك بصورة عامة ليس له ارتباط بالمناخ، فهو علم يتعلق بالكون والأجرام السماوية. أما المناخ فعلم يتعلق بالحالة الجوية، ولا ارتباط بين العلمين.
ولكن ترابط ظهور هذا النجم وتزامنه مع اعتدال الجو وانخفاض درجات الحرارة بسبب ميلان محور الأرض الوهمي خلال دوران الأرض حول الشمس وليس بظهور هذا النجم الذي يبدأ بالظهور في يوم 24/8 وهي الفترة التي تنجلي فيها شدة الحر ويكون الأمل الكبير بقدوم الربيع الذي من المحتمل أن يحمل معه المطر الذي ينبت في سقوطه العشب والكلأ.
ويذكر أهل الكويت في أمثلتهم وعبارتهم الشعبية بقولهم «إذا دلق سهيل لا تأمن السيل» أي توقعوا سقوط الأمطار بعد (دلوق السهيل) أو «إذا دلق سهيل تلمس الرطب في الليل» أي تحسس على التمر والمسه لمعرفة شدة الرطوبة في الجو والتي تزيد نسبتها في الجو خلال هذه الفترة من السنة ومدى تأثير هذه الرطوبة على التمور المخزنة في البيت.
ومن الملاحظات المهمة التي يجدر الإشارة إليها في فترة بعد دلوق السهيل هو بداية الضعف والانحسار في منخفض الهند الموسمي الذي يؤثر على طقس المنطقة حيث يتراجع هذا المنخفض إلى الجنوب ومن الملاحظات المهمة في هذه الفترة هي هبوب رياح «الكوس» على منطقة الخليج العربي وبحر العرب وهي رياح جنوبية شرقية عالية الرطوبة تعمل على تكوين سحب منخفضة على امتداد سفوح الجبال في عمان والإمارات قد يصاحب هذه الغيوم المنخفضة هطول رذاذ مطر (وهي الأمطار الخفيفة جدا) والذي يعرف هذا النوع من الأمطار في الكويت بالمطر (النميلي) والذي اعتقد انه سمي بذلك نسبة إلى النمل الصغير الحجم ولكني لست متأكدا من ذلك.
كما تهب هذه الرياح الشرقية وهي رياح نشطة على منطقة جنوب شبه الجزيرة العربية يطلق عليها هناك اسم (هبايب سهيل) والتي تؤثر على طقس المناطق الجبلية في جنوب شبه الجزيرة العربية والمطلة على البحر والمحيط الهندي في دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان ويصل تأثير هذه الرياح إلى المناطق الوسطى والشمالية في دولة الإمارات العربية المتحدة مسببة عواصف مصحوبة بالسحب الركامية والتي تؤدي إلى هطول أمطار رعدية غزيرة هناك.
كما أن عرب الخليج وشبه الجزيرة العربية استخدموا يوم دلوق سهيل كبداية لتقويم شمسي استخدم في المنطقة وأطلقوا على هذا التقويم اسم تقويم السهيل وجعلوا بداية هذا التقويم في يوم 24/8 من كل عام وتكون مدة هذا التقويم 365.25 يوما وهي نفس مدة السنة الشمسية أو ما تعرف عند عامة الناس بالسنة الميلادية حيث استخدم الفلكيون العرب منازل القمر التي عددها (28) منزلة وجعلوا كل منزلة من منازل القمر مدتها (13) وسميت كل منزلة نوءا وجعلوا بداية تقويم السهيل يتزامن مع بداية نوء الطرفة والذي يعرف بنوء دلوق السهيل وتكون نهاية التقويم مع نهاية نوء النثرة أو نهاية فترة الكليبين الحارة في يوم 23/8 وجعلوا من نوء الجبهة الذي يبدأ في يوم 6/9 وينتهي في يوم 20/9 مدته (14) يوما وهو النوء الوحيد في هذا التقويم الذي مدته (14) ولكن في السنة الكبيسة التي تحل كل اربع سنوات جعلوا من نوء القلب الذي يبدأ في يوم 20/12 مدته هو أيضا (14) يوما ولكن يزاد هذا اليوم كل اربع سنوات.
وبالتالي فإن تقويم السهيل يعتمد في حسابه على الأنواء وهي (28) نوءا ومدة النوء (13) يوما = 364+1=365 يوما.
ونجم سهيل كان له حضور في أغاني العرب مثل الأغنية الكويتية المشهورة «بردى يجي نسناس – يا سهيلي يا الجنوبي» فدخل هذا النجم الشهير في أشعارهم وأمثلتهم، كما اعتبر جزءا من تراثهم الفلكي والمناخي فقد حسبوا من خلال هذا النجم موعدا لتغير المناخ.
