في عصر الإعلام الذي نعيشه الآن أصبح للصورة تأثيرات تفوق تأثير الكلمات، وأعتقد أن الصورة التي تناقلتها المواقع والوكالات الإعلامية للعديد من المواطنين الأفغان الذين كانوا يلهثون خلف إحدى الطائرات العسكرية الأميركية المتحركة طمعا في الرحيل من وطنهم واللحاق بالحلم الأميركي، إنها صورة تبوح بالكثير من المعاني ولن تمحى أو تنسى من الذاكرة لعدة عقود وتنطق بالكثير.
وقد توافد العديد من الأفغان إلى مطار كابول على أمل المغادرة وتشبث البعض بعجلات طائرة عسكرية أميركية وهي تواصل المسير على المدرج لحظة إقلاعها من المطار، لكن المؤلم هو أن قائد الطائرة اكتشف بعد وصوله إلى وجهته أشلاء بشرية عالقة في عجلات الطائرة، وهذه الأشلاء البشرية تمثل بلا شك مدادا لرسم ملامح الصورة المؤلمة التي مهما تأملناها مليا سنقف عاجزين عن وصفها حيث تفوح منها روائح غير طيبة لصفقات وفساد دفع ثمنه الفقراء والبسطاء بأشلائهم التي علقت في عجلات طائرات الإخلاء التي كانت تقوم بمهمة أسموها إنسانية على الرغم من الأشلاء التي علقت بعجلاتها. وأعتقد أن الصورة ستكون حاضرة أمام المتدربين على فنون الإعلام الحديث لسنوات قادمة، وكذلك لمن يتطلعون إلى قراءة المزيد من ممارسات الساسة ودعاة حقوق الإنسان قبل أن يصبحوا أشلاء.
ومما لا شك فيه أن الأشلاء كانت إنسانا يحلم بحياة أفضل ويطمع في العيش مع أهله في سلام وأمان وأن يحظى أبناؤه بالتعليم والغذاء والدواء ويحلم بمستقبل مزدهر وسط عالم يصون حقوق الإنسان، لكنه للأسف الشديد تحول في لحظات إلى أشلاء مبعثرة ليس على الأرض بل في فضاء سحيق وموحش. إنها أشلاء حقوق الإنسان وأشلاء الصفحات من خداع وأكاذيب الساسة التي تتكرر من آن لآخر ويصدقها البسطاء.
