لماذا تكتب في مجال تاريخ الكويت؟ سؤال يتم توجيهه إلي كثيراً ورأيت أن أجيب عليه اليوم.
كان أول من أتى إلى الكويت من أسرتي في القرن التاسع عشر الميلادي هو الجد “مطر” ، و الذي عمل على حماية القوافل الكويتية لمعرفته بالطرق البرية ، ورزقه الله بابن واحد “صعفك” ، والذي ولد على وجه التحديد في المنطقة القريبة من آبار ” أم صعفك” و منها استمد اسمه ، وهي منطقة تقع جنوب البرقان وهذه المنطقة كان يطلق عليها بشكل عام الصبيحية.
أما أنا فقد ولدت ونشأت على هذه الأرض الطيبة الأبية كما ولد عليها من قبلي أبي و جدي ، لم يكتب لي أن أعاصر جدي حيث وافته المنية و أنا في سن صغيرة ، ولد جدي لأبي في بادية الكويت عام 1906م وتوفي رحمه الله عام 1985م ، و من فضل الله علي أني تمكنت من معاصرة جدي لوالدتي المولود في الكويت عام 1912م حيث كان له علي فضل عظيم فقد نهلت منه الكثير من المعلومات عن تاريخ وطني الحبيب الكويت ، ومن شدة حبي لجدي ومعلوماته القيمة وقصصه المشوقة عن الوطن كنت أحبذ الجلوس معه هو وأصحابه على اللعب مع أقراني ، وقد ازداد تعلقي به عندما اقتنيت كاميرا الفيديو و أخذت أوثق معلوماته حول المواضع و الأماكن الكويتية القديمة والأحداث التاريخية البارزة و الهامة ، عاش جدي عايد الفزع مع والده في الصبية ونمت علاقتهما هناك مع عدد من أبناء قبيلة العوازم ، وكانت تنقلاته في بداية حياته مع والده وجماعته في شميمة و غضي وعشيرج ، اشترك مع والده و أخيه ماجد في الدفاع عن الكويت في كون “الصليبيخات” ، عمل في حراسة الأسواق ثم استقر في الحراسة في ميناء الشويخ منذ تأسيسه عام 1960م ، وحتى تقاعده .
لم تكن علاقتي بجدي علاقة الحفيد بجده بل كانت صداقة وأحياناً أخرى أخوة، الجيل القديم ممن سبقونا في هذه الحياة الفانية شهدوا العديد من الأمور التي لم تسنح لنا الفرصة على مشاهدتها، أي نعم نحن نقرأ الكتب ونشاهد التلفاز ونسمع المذياع ولكن ليس مثلما يصفها لنا كبار السن.
في أغسطس عام ١٩٩٠م كنت قد أنهيت مرحلة الصف الثاني الابتدائي ودخلت إجازتي الصيفية لأفاجئ بتعرض بلدي للاحتلال العراقي شهدت تغير الأحوال وتدمير البلد ، لقد ترك الغزو غصة مؤلمة في حلقي حتى هذه اللحظات.
لم أنس توجهي مع والدي واخواني إلى ساحة العلم و إمساكنا للعلم الكبير قبل رفعه في يوم التحرير ، هذه اللحظات بالرغم من حداثتها إلا أنني انتبهت إلى تعرضها للنسيان يوماً بعد يوم .
من الأسباب المهمة التي دفعتني إلى الكتابة هو سعيي إلى التذكير بالوحدة الوطنية الكويتية عبر ابراز دور مختلف المكونات الاجتماعية في الكويت ، والتأكيد على تقبل الآخر ، منذ المرحلة الدراسية الابتدائية و أنا منكب على الكتابة عن تاريخ الوطن و إعداد الدراسات و الأبحاث عنه ، و من أحب الهوايات لي قراءة كتب التاريخ وتأليف الكتب في هذا المجال، وكان جدي رحمه الله يشجعني دائماً على توثيق تاريخ الكويت وعلى حب هذه الأرض فقد كنت أستمتع كثيراً في قصصه التي لم أكن أجد لها وجوداً في بعض الكتب التاريخية إلا بعد سنين من البحث والتقريب بين رواياته الشفهية والكتب التوثيقية، ولقد كانت طريقته في الشرح تغنيني عن العديد من الكتب وترسخ المعلومات في ذهني على الرغم من أنه رحمه الله لا يقرأ ولايكتب ولكنه كان واسع المعرفة والحكمة ومن الجيل الذي عاش في بادية الكويت وإنتقل إلى العمل في بحرها فجمع البيئتين بجدارة.
بدأت مسيرتي داخل المدرسة ثم تطورت إلى كتابة المقالات في الصحف اليومية ، ووصل بي المشوار إلى أن صدر أول كتاب لي عام 2004م وفي السنة نفسها أصدرت كتابي الرابع حول تاريخ الصحافة الطلابية الكويتية (1946-2004) و الذي أصبح أول كتاب لي في مجال تاريخ الكويت ، ثم أصدرت كتابي تاريخ القانون في الكويت عام 2008م ثم توالت كتبي في هذا المجال وهي :
– التجربة الكويتية في نزع الملكية 2009م
– الصحافة الطلابية الكويتية 2009م
– صفحات من الصليبيخات 2010م
– المرئي و المسموع بين المُلقي و الجموع 2010م
– حقيقة الهوية الدستورية الكويتية 2010م
– تاريخ الكويت القديم والنشأة 2011م
– تاريخ الكويت الحديث 2011م
– تاريخ الكويت من الفترة 2000إلى 2011
– تاريخ الكويت الكبير 2011م
– الوحدة الوطنية الكويتية 2012م
خلال عام 2012م وتحديداً في شهر أغسطس والذي تزامن معه شهر رمضان انتقل إلى رحمة الله تعالى جدي ، كنت ملازماً له في أيامه الأخيرة و كان يقاطعني بالدعاء للكويت ولحكامها، و يوصيني بمواقف أفراد أسرته في الماضي من الأحداث التي عاشتها الكويت وكيف كانت وحدة الكلمة هي سيدة الموقف، لقد أحب جدي الكويت كثيراً ، كانت لجدي أماكن يأمرني بأن نذهب إليها ويقصد عند وصولنا إليها مثل الصبية وعشيرج وجزيرة الغربا والروضتين وقبور حكام الكويت الذين كان يتوقف عندهم ليقرأ لهم مما يحفظ من آيات ويرفع يده لهم.
لقد كان متواضعاً وبسيطاً وغير متكلف إلا أن هنالك بعضاً من الأمور التي يكرهها رحمه الله وهي تصنيف الناس على أساس المذهب والأصل وكان يغضب منها ويقول كلنا من آدم وآدم من تراب.
لقد كان جدي بالنسبة لي موسوعة حية تتكلم عن الحاضر وتستذكر الماضي وتدعو للمستقبل، لقد تعلمت منه الكثير وحتى يوم وفاته فعلى الرغم من أنه معمر فقد حرص على عدم تأخير الصلاة والصيام في مرضه وذكر الله عزوجل وإماطة الأذى من الطريق والدعاء للناس كافة بالهداية، أعتز بجدي كثيراً وأفتخر به فقد كان أحد المشجعين لي على مواصلة تأليف الكتب بل وكنت آتيه فرحاً لكي يشاهد كتبي وأقرأ له بعضاً مما كتبت وأستمع إلى ملاحظاته التي كانت خيراً لي في مشوار التأليف.
لقد كان فقدي لجدي خسارة أعترف بها ولا أنكرها واليوم لا أملك له سوى الدعاء بأن يرحمه الله برحمته الواسعة.
بعد رحيل جدي رحمه الله دخلت مجال الإعداد و التقديم التلفزيوني حيث كللت جهودي بالنجاح وتم إنتاج برنامج تاريخ القانون في الكويت التلفزيوني و برنامج “تاريخ الكويت” على قناة الصباح و الذي كان يعرض يومياً عام 2013م و2014م .
و عدت لتأليف كتب أخرى في مجال تاريخ الكويت وهي :
الخالص في تاريخ أرض الكويت السالف .
سلسلة ومضات من تاريخ الكويت (5 أجزاء).
نشأة الكويت.
الكامل في تاريخ الكويت.
تاريخ ساحة العلم.
حركة تدوين تاريخ الكويت.
أصرح الأنباء في سيرة الجهراء.
تاريخ أرض الكويت في العصر الإسلامي.
تاريخ قبيلة شمر في الكويت.
المفصل في تاريخ الكويت (9 أجزاء).
تاريخ أسوار الكويت.
الكوت في تاريخ الكويت.
كما لم أتوقف عن إعداد وتقديم البرامج التلفزيونية المتعلقة في نفس المجال وهي : ومضات في تاريخ الكويت ، ومع التاريخ ، إضافة إلى مشاركتي في عدد من الأفلام الوثائقية التلفزيونية.
وفقني الله إلى تأليف الكتب في هذا المجال وتقديم العديد من البرامج المتلفزة و الندوات والمحاضرات بجهدي الفردي التطوعي دون أي مقابل فقط بادخار راتبي الحكومي ، وتم تكريمي في أكثر من موقع.
لامني الكثيرون على عدم تقديمي طلباً للدعم ، ورأيت أنه من المعيب أن أطلب المال في مجال تاريخ بلدي فأخذت أتبرع وأهدي كتبي دون مقابل وكذلك برامجي لم أتقاض عنها أي مقابل بطلب مني لأن لبلدي حقاً علي الوفاء به، ولم أسع لذلك المال ولم أطلب من أي جهة أن تدعمني بأموالها كي تطبع كتبي لقناعتي سابقة الذكر، كانت مقابلاتي في وسائل الإعلام كثيرة ورأيت الابتعاد عنها حتى لا يتم فهمي بأن الغرض هو الترويج عن نفسي فابتعدت منذ عام ٢٠١٤م ، وأصبحت متوارياً منذ تلك الفترة وبشكل قليل لا يكاد يذكر ، ودخلت في صومعتي الخاصة بغية التفرغ أكثر لهذا المجال.
أغلقت بابي ونشرت أعمالي بصمت حتى لا يضيع وقتي بأضواء الإعلام، وتوليت مهمة الدفاع عن تاريخ بلدي عند اثارة أي تشكيك أو طعن ولي في ذلك مقالات منشورة كثيرة .
هذه هي أسبابي ونتاجها التي رأيت أن أكتبها اليوم حتى تكون إجابة وافية على ذلك السؤال .
مؤرخ/ خالد طعمة