من بين أصحاب هذه الأعمال الفارقة يوجد جوزيف روث، وهو روائي نمساوي (1894-1939)، ولد في مدينة برودي، التي تقع حاليًّا بمقاطعة لفيف في أوكرانيا، وقديمًا كانت جزءًا من الإمبراطورية النمساوية.

لعل أبرز روايات “روث” كانت “مسيرة راديتسكي” وهي رواية ملحمية كتبها عام 1932 تؤرخ تراجع وسقوط الإمبراطورية النمساوية عبر قصة عائلة تروتا، ومن بين تلك الروايات “تمثال الإمبراطور The Bust Of The Emperor”، بحسب مجلة “ذا أتلانتيك”.

في تمثال الإمبراطور، يروي “روث” كيف يتعامل الكونت مورستين (الشخصية الرئيسية في القصة) مع فقدان وطنه؛ لكن القصة، في الحقيقة، تدور حول خسارة أسلوب حياة عمر ونظام أيضًا.

ويدلل “روث” على تلك الخسارة بتمثال صغير للإمبراطور النمساوي القديم فرانز جوزيف، الذي يحتفظ به مورستين خارج منزله الريفي في قرية بالقرب من مدينة “برودي”.

مرة أخرى من برودي إلى خاركيف (مدن  تعاني حاليًّا من الهجوم الروسي)، يشهد العالم على اختبار عسير للغرب في مواجهة روسيا.

ويشير تقرير “ذا أتالانتيك” إلى أنه “مثل (مورستين) يجب أن نحسب حسابًا للتغيير الذي يحدث حاليًّا، في ظل تجنُّب الكثيرين فكرة أن زعيمًا سياسيًّا حديثًا يمكن أن يغزو بلدا أوروبيا”.

ويوضح التقرير أن “رفض العديد من الدبلوماسيين والمسؤولين تصديق تحذيرات المخابرات الأميركية والبريطانية حول اقتراب هجوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتن”، ويتابع: “بالنسبة للكثيرين في الغرب، على ما يبدو، فإن الحروب العدوانية هي أشياء تحدث للبلدان الفقيرة على مسافة بعيدة”.

في تمثال الإمبراطور فإنَّ الأمر ينتهي “بمورستين” بالعيش في سويسرا لفترة من الزمن بعد انهيار الإمبراطورية النمساوية، في محاولة منه نسيان فقدان عالمه القديم.

ويقول الكاتب والناقد الدنماركي، مورتن هوي جنسن “يشعر مورستين بالحرج من سذاجته السابقة، حينما بدأ يفهم أنه تم احتلاله من قِبل الأوروبيين، ومن ثمّ يتصاعد الغضب وهو يشاهد مجموعة من الروس وهم يستعرضون باستهزاء ما يزعمون أنه تاج النظام الملكي (يقصد تاج جوزيف فرايز، الإمبراطور النمساوي)، كان الأمر كما لو أنه فهم، أنَّ العالم يتغيّر”.

يفسّر “جنسن” ذلك بالواقع الحالي قائلًا: “يبدو لي أن هذا هو مصدر غضبنا هنا في أوروبا والولايات المتحدة، لقد أخذنا رجل إلى الخارج لتدمير عالمنا، نحن محرجون من سذاجتنا، خزي غبائنا وغرورنا”.

ويضيف: “لا يوجد بلد في الغرب في مأمن من هذا العار، بعد عام 2016، أصبح عار أميركا واضحًا، لكن الشعور ليس أقل من ذلك في أوروبا. في بريطانيا وفي فرنسا وفي ألمانيا”.

ويستطرد بالقول: “لكن في جميع أنحاء أوروبا يمكن رؤية نفس القصة في سياسي إيطالي يرتدي قميص بوتن، وسياسية نمساوية ترقص مع الزعيم الروسي في حفل زفافها، ورئيس الوزراء المجري في موسكو، يعلم الجميع مدى كون هذا السلوك مشينًا”.

يوضّح “جنسن” بالقول: “في مواجهة الواقع لعالم جديد، من الطبيعي الرد إما بالغضب أو الإنكار، في تمثال الإمبراطور، قرر مورستين أنه سيختار في النهاية العودة من سويسرا لقريته في برودي ليعيش كما لو أن الإمبراطورية النمساوية لم تمت أبدًا”.

ويتابع: “يستعيد مورستين تمثال الإمبراطور الذي احتفظ به بأمان في قبو منزله، ويعيده للعرض خارج منزله، وبدأ في ارتداء زيه القديم للفرسان النمساويين، مثل أي شخص كان يتمتع بالسلطة في يوم من الأيام، كان الفلاحون الذين يحيونه يحيون الماضي الضائع، في النهاية، يعلم أن اللعبة انتهت، وأن الوقت قد حان لدفن العالم القديم، وهكذا استدعى القرويين ودفنوا معًا تمثال الإمبراطور كما لو أنّه فرانز جوزيف نفسه”.

ويخشى جنسن من أن يكون مصير الغرب هو نفس مصير “مورستين”، مؤكّدًا أنَّ “الطرق القديمة لم تعد مجدية للتعامل مع روسيا”، إلا أنَّ الناقد الدنماركي يرى أنَّ “الغرب ليس على وشك الانهيار مثل النمسا والمجر؛ لكن الافتراضات الغربية حول القوة والتفوق لم تعد كافية”.