سبق و أن تحدثنا عن حدوث هجرة طيء من اليمن إلى الجبلين أجأ و سلمى في القرن الثالث أو الثاني قبل الميلاد، و أنّ الجد شمّر عاصر القرن السادس الميلادي في الجبل، و أن ذريته أصبحت بطناً في القرن التاسع الميلادي، سوف نأتي اليوم للوقوف عند مسألة مهمة نتجت عنها آثار مهمة على مستوى قبيلة شمّر ألا و هي توقيت اكتساب الجبل للاسم ” شمّر” مع شرح و بيان لما ترتب على هذا الأمر .
عندما انتقل طيء و من معه إلى الجبلين كان أسمهما أجأ و سلمى و ذكرنا أن ذلك كان قبل الميلاد، و يعود سبب التسمية إلى أنهما من العماليق، و أن أجأ رجل يدعى أجأ بن عبد الحي و سلمى امرأة تدعى سلمى بنت حام بن حي، و مع مرور الزمن و نتيجة طبيعية لاستقرار طيء على الجبلين أصبح اسمه جبل طيء .
من الفترة التي عاشت بها طيء على الجبلين وحتى الفترة التي كتب بها صاحب كتاب (سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل و التوالي) عبدالملك بن حسين الشافعي العصامي المكي المولود في عام 1049هـ 1639م و المتوفى في عام 1111هـ 1699م، لم يطلق على الجبل اسم شمّر إلا وفق ما ذكره الكتاب والذي قال فيه شرحاً لواقعة حدثت في عام 963ه: ” فلما بلغهم أن الملك المنصور الهزبر المعروف المشهور قصد اللحوق بهم على كل حال، شمّروا نحو شمّر، وهربوا إلى رؤوس الجبال، فقصدهم إلى منازلهم ومساكنهم وخرب شمّر المذكور ” ثم قال العصامي: ” قال الشيخ على المذكور أيضاً يهنيه في غزوه جبل شمّر و إيقاعه ببني لام وذلك سنة أربعٍ وستين و تسعمائة “، و نود أن نبيّن أنّه في عام 1556م وبعد انقضاء مناسك الحج قام الشريف حسن بن أبي نمى بتجهيز جيش جرار لأجل ملاحقة كلٍّ من عرب الظفير و عنزة و قائدهم أبا ذراع و معهم مجموعة من الأشراف من آل حسين و آل نعير و آل جماز والذين احتموا بحصن شمّر الذي كان موجوداً في جبل شمّر، و على وجه التحديد في جبل أجأ، استطاع الشريف الانتصار عليهم و تدمير حصن شمّر ، و من الواضح أنّ المقصود في هذا النص هم بنو لام وهم بطن من طيء وعرف عنهم مجاورتهم لشمّر، وعن ذكر قبيلة عنزة معهم فقد تناقلت الكثير من المصادر أحداثاً مسماة بحلف بني لام والذي عرف قبل الحادثة التي نتناولها بسنوات إذ كانوا متعاونين معاً في العديد من الأحداث، وليس مستغرباً توجههم إلى موطنهم الجبل، وبناءً على ما ورد في هذا النص التاريخي يكون تحول اسم الجبل من طيء إلى شمّر في القرن السادس عشر الميلادي، ومن أقدم الذين كتبوا لنا وصفاً لحال الجبل و حال أهله هو العباس بن علي الحسيني الموسوي، و ذلك في عام 1131هـ الموافق 1718م ، عندما قام بزيارة الجبل في السادس من محرم عام 1131هـ، و الكتابة عنه حين قال: ” أتينا على جبل شمّر ، و لكل منا لذيل الانشراح قد شمّر ، و هناك قرية تسمى (حائل) ضرب الأنس بينها و بين الهموم بحائل، ذات نخيل و أشجار وعيون و آبار ، وطيور و أزهار ، وبساتين واسعة وثمار ، وكأنها روضة من رياض الجنان، فيها من كل فاكهة، زوجان و أهلها عرب كرام ، شمل كرمهم الخاص و العام ، لم تلق فيهم غير شجاع عظيم ، و جواد كريم”.
لكن التساؤل المستحق هنا يتمحور حول سبب اكتساب الجبل لهذه التسمية و هو الذي سوف نجيب عنه في الشق الآتي من حديثنا .
نقل لنا عبر الموروث الخاص بالقبيلة من أن الجبل كان تحت حكم الشيخ بهيج بن ذبيان في فترة من الفترات، و التي لم يحددوا لنا تاريخها، و تقول الروايات أنّ أبناء شمّر قد اتحدوا مع أبناء عمومتهم في قبيلة طيء و منهم زوبع حتى تمكنوا من الإطاحة بحكمه و نفيه بعيداً عن الجبلين، و من بعدها أصبح الجبل يحمل اسم القبيلة، و غلبت التسمية أيضاً على من تحالف معهم من زوبع، و حول هذه الواقعة نظم الشاعر خفيج الرمالي أبياتاً قال فيها :
و تحالفوا من بينهم برد الاقوال زوبع و عبدة واسلــــــــم بالتراديـــــــــــــــــد
وزتوا بهيــــج زتـــة تطــــــــــــــــنى الحــــال وخلى جباله و النخل شمخ الغيـــد
هذا هو سبب التسمية وفق ما اتفق عليه الموروث الشمّري المتواتر بين أبناء القبيلة، إلا أنّ الحديث يأخذنا تأقيت الفترة الزمنة التي اكتسب بها الجبل هذه التسمية، و هو الذي سوف يكون محور حديثنا في ما يلي.
ينبغي علينا حتى نعرف تأقيت التسمية التي اكتسب بها الجبل تسمية شمّر أن نتعرف على الوقت الذي جرى به الاتحاد الشمّري الطائي على إزاحة بهيج، لذلك فإنه يجب علينا التعرف على هذه الشخصية و زمنها كي نعرف في أي سنة أو قرن حدثت التسمية، و إن كنا قد سبق و أن ذكرنا أن الجبل قد ذكره العاصمي باسم جبل شمّر على حادثة جرت عام 963هـ الموافق 1555م، أي في القرن السادس عشر الميلادي و بالتالي يكون الجبل إما قد اكتسب التسمية في القرن نفسه أو قبله بفترة قريبة تقريباً .
نأتي بدايةً إلى أقدم الأبيات الشعرية التي ذكرت بهيج وهي تلك التي نظمها عبيد بن الرشيد و لكونها أبياتاً وثقت الحادثة المهمة في تاريخ القبيلة:
قبلك بهيج حدروه السناعيس من عقدة اللي ما يزحزح قناها
و معنى هذه الأبيات أنّ من سبقك بهيج قد أنزلوه السناعيس (نخوة شمّر) من منطقة عقدة الواقعة في جبل أجأ، و مفاد هذه الأبيات أن اتحاداً قد قام بين الأقسام الرئيسية في القبيلة لإزاحة بهيج وهو الأمر الذي تم لهم، و سوف نأتي الآن إلى بيان شخص بهيج و الذي عرف عن نفسه من خلال هذه الأبيات المنسوبة إليه:
يقول بهيج بن ذبيـــــــــــــــــــــــــــان مثـــــــــــــــايل دمعه على الأملاك دون الشلايــــل
جلونا عــــن ديارنا العـــــــــــــــذيات شمر قـــــــــراح و برد مـــــــــــاء يداوي الغلايـــل
و نحينا رقاب القود عنهم و غربنا وعين الزبيديات لنـــــجـــــــــــــــد مايــــــــــــــــل
يـــــــــا صار ما عـــــــــدل يعادل عديــــــــلــــــه ما ينقعد بالدار و الشــــــــــــــــــيل مايــــــل
و يــــــــــــــــــــاصار مــــــــــا حق الفتى بذراعه هبيت يــــــــا حكم يــــــجي بالدخايـــــــــــل
يتضح من خلال هذه الأبيات أن اسم بهيج هو بهيج بن ذبيان و أنه من زبيد الطائية و اسمه الكامل هو بهيج بن ذبيان بن بهيج بن مهين بن الرميل بن مهير بن غضيل العبيدي الخزعلي السنبسي ، و أن شمّر قد أجلوهم من ديارهم و تتفق جميع الروايات أن مقامه كان في عقدة الواقعة في جبل أجأ و اليوم توجد في عقدة حصاة مشهورة تعرف باسم حصاة بهيج نسبة إليه ، وفي الحقيقة بحثت كثيراً عن معلومات مفصلة حول بهيج و وجدت تطابقاً في الأسماء بينه و بين أمير سنبس محمود بن ذبيان في مصر و الذي قتله ناصر الدولة في عام 465هـ خصوصاً بوجود ما يقرب هذه المعلومة في قول القلقشندي أن لسنبس من الولد زبيد ، و كذلك في الأشعار عندما قال الشاعر سعيد الهمزاني :
إلى بهيج السنبسي صاحب الدار هدوا بنو ثعل رواسي عزومه
و لكن نجد بأن عام 465هـ بعيداً جداً عن حادثة ملاحقة الشريف للمذكورين في ما تقدم إلى جبل شمّر في عام 963هـ ، إذ إنّ المؤلفات التي سبقت حادثة الشريف كانت تذكر الجبل باسم جبل طيء و بالتالي فإنّ واقعة بهيج تكون قد حدثت في القرن السادس عشر الميلادي و حول الأسماء قد يكون اسماً مكرراً لدى أسلاف أسرة بهيج، الأمر يبدو متفقاً مع المنطق في هذه الحالة.
خالد طعمة
