كثير من الناس يحمّلون هذه المقولة ما لا تحتمل، ويجعلونها مرمى سهام نقدهم وإنكارهم لها، مع أنها مقولة موافقة للواقع، ولكن قد تفهم عند البعض خلاف المراد بها، والحقيقة أنها ليست من باب النهي عن الأمر بالمعروف وإنكار المنكر وترك النصيحة، ولكن المقصود بها ألا تتدخل فيما لا يعنيك، وألا تخوض فيما لا شأن لك به، فلا يحق لكائن من كان أن يعطي لنفسه الحق بالحكم على الناس واتهامهم دون سابق معرفة، حتى وإن كنت على معرفة فقل خيرا أو اصمت، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله امرأ قال خيرا فغنم أو سكت فسلم»، وقال أبوالعتاهية:
رحم الله امرأ أنصف من
نفسه إن قال خيرا أو سكت
فليس في هذه الدنيا أحد خاليا من العيوب على الإطلاق، لأن الكمال لله وحده عز وجل، وللأسف فبعض الناس أصبح يمارس وظيفة الراصد والمراقب للناس في كل شاردة وواردة وصغيرة وكبيرة، ويتصيد الأخطاء ويتتبع العيوب وينسى عيوب نفسه، كقول الشاعر:
وغير تقي يأمر الناس بالتقى
طبيب يداوي الناس وهو عليل
يقول الحسن البصري رحمه الله: من علامات إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه، والأجدر به أن ينشغل بنفسه ويكف لسانه عن الناس، والنفس النزيهة تترفع عن الخوض في خصوصيات الناس والتعرض لهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»، فخذ من الناس ما ظهر لك وما خفي حسابه على الله، يقول الفاروق عمر رضي الله عنه: «عاملوا الناس بما يظهرونه لكم، والله يتولى ما في صدورهم»، فلا داعي للاهتمام بما يخفيه الناس عنك، وما هذا الفضول السمج، والعادة السيئة. ودمتم سالمين.
