«فجأة الموت وموت الفجأة» سبيلهما واحد ولكن الأسباب مختلفة، ولا شك أن للموت وقعا شديدا على الحي، وهو مصيبة، كما وصفه الله تعالى، كما أن الموت لا يتريث ولا يمهل صاحبه لحظة واحدة، فليس من الموت فوت.
أما موت الفجأة فهو الموت الذي يأتي بلا مقدمات بغتة دون تحسّب، فربما مات الإنسان وهو جالس يتحدث مع أصحابه، وقد يموت وهو على سجادة صلاته، وكل ذلك بقضاء وقدر، وتحضرني حكاية مضت عليها سنون طويلة إلا أن فيها عبرة وعظة، فقد كان أحد كبار السن من أهلنا جالسا على كرسي والى جانبه رجل يقاربه في السن وهو يتحدث معه بأمان الله، وبينما هو يحدثه إذ مات الرجل فجأة دون أن يشعر بذلك، فأكمل حديثه إلا أن صوت من يحدثه انقطع فالتفت إليه فإذا هو مائل على جنبه وقد فارق الحياة:
لا تأمن الموت في طرف وفي نفس
ولو تسترت بالحجاب والحرس
فارتاع واسترجع وعاد إلى منزله حزينا، ثم دعا أصغر ابنائه على الفور وأعطاه كراسة صغيرة، وقال له: في هذه الكراسة أسماء أناس لي عليهم ديون كثيرة، قم الآن ومزقها ورقة ورقة، ولا تطالب بها أحدا على الاطلاق، ومن جاءك منهم يريد أن يسدد ما عليه فقل له ان والدي أسقط هذه الديون عنكم لوجه الله، وهو مسامحكم فيها دنيا وآخرة رجاء رضا الله ومغفرته في يوم تشخص فيه الأبصار، ويسألكم الدعاء له، وكان مبلغ المال كبيرا، ثم مات بعد ذلك بقليل.
ونسأل الله أن تكون هذه البادرة الطيبة في ميزان حسناته يوم يلقى الله تعالى، ولعل المولى عز وجل أراد به خيرا، وقد انتشر موت الفجأة في السنين الأخيرة، ولا يدل ذلك على سوء الخاتمة ولكنه ينبه الأحياء إلى أن الموت قد يبغتك بغتا فاستعد لمآلك وإن كنت على معصية فتب وأنب الى ربك واسأله المغفرة وحسن الخاتمة، وما موت الفجأة إلا راحة للمؤمن وتعجيل نقمة للكافر:
يا حارِ ما راحَ مِن قَومٍ وَلا ابتَكَروا
إِلّا وَلِلموتِ في آثارِهم حادي
وموت الفجأة من علامات اقتراب الساعة بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أمارات الساعة أن يظهر موت الفجأة.
فعلى المرء ألا يغفل عن الموت، وأن يكون مستعدا له. ونسأل الله حسن الخاتمة.
ودمتم سالمين.
