الدهر ألوان والأيام دول، ولا دائم إلا وجه الله تعالى، فدوام الحال من المحال، والمرء عرضة للمصائب والمحن والنوائب، وكلها تحتاج منا الى عزائم الصبر وانتظار الفرج، واليقين بما عند المولى عز وجل:
وما من شدة إلا سيأتي
لها من بعد شدتها رخاء
والناس جبلوا على الرضا والسخط بقضاء الله عليهم، فمنهم الحامد الشاكر في السراء والضراء والصابر عند البلاء، ومنهم المتذمر ليله نهاره على نوائب الدهر، وكأنه لم يسمع قول الله تعالى (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ـ البقرة).
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «وجدنا خير عيشنا بالصبر، وقال الحسن البصري: «الصبر كنز من كنوز الخير لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده».
والحقيقة أن الجزع على المصيبة مصيبة أخرى، والحوادث المضنية والملمات الصعبة، مكسبة لحظوظ جليلة، إما ثواب مدخر أو تطهير من ذنب، أو تنبيه من غفلة، أو تعريف لقدر النعمة، وقد روي أن أحد الصالحين رأى رجلا كأنه نبش من قبر، فسأله عن حاله فقال: حبسني الحجاج ثلاث سنين فكنت في أسوأ حال وأقبح مكان، وأنا مع ذلك صابر لا أتكلم، فلما كان بالأمس أخرج جماعة ممن كانوا معي فضربت أعناقهم، وتحدث بعض أعوان السجن أن غدا تضرب عنقي، فأخذني حزن شديد وبكاء مفرط، فأجرى الله على لساني هذا الدعاء: إلهي اشتد الضر وفقد الصبر، وأنت المستعان، ثم ذهب من الليل أكثره فأخذتني غشية، وأنا بين اليقظان والنائم، ثم أتاني آت فقال: قم فصل ركعتين، وقل: يا من لا يشغله شيء عن شيء، يا من أحاط علمه بما ذرأ وبرأ، أنت عالم بخفيات الأمور ومحصي وساوس الصدور، وأنت بالمنزل الأعلى، وعلمك محيط بالمنزل الأدنى، تعاليت علوا كبيرا، يا مغيث أغثني وفك أسري، واكشف ضري، فقد نفد صبري، فقمت وتوضأت وصليت ركعتين وتلوت ما سمعته، فما تم قولي حتى سقط قيدي من رجلي ونظرت الى أبواب السجن فرأيتها قد فتحت، فقمت وخرجت ولم يعارضني أحد، فأنا طليق الرحمن (المستطرف في كل فن مستظرف).
ودمتم سالمين.
