تتنامى قناعاتي يوما بعد يوم بحاجة المجتمع الإنساني إلى طفرات جريئة، تصلح من شأنه، تصلح لأن تمثل مظلة آمنة لتلبية احتياجاته، وأكاد أجزم بأن سير هذا المجتمع وهو يبحث عن تلك المظلة لن ينفلت بحال من الأحوال عن حيز الاستدامة، التي أثبتت جدواها، فاستحقت أن تصبح الأقدر على مده بعوامل الإشباع المطلوبة والمرغوبة، وضمان سلامته، وصونه من آثار التصدع المحتملة.
والمتمعن في حجم التحديات التي تواجه الإنسان المعاصر، يجد أن مسألة توافر الغذاء هي العبء الأكبر، الذي يتهدد بقاء الجنس بأكمله، بل ويتلاعب بمصيره، وهو كذا بؤرة الصراع الحتمي، التي انجرف وراءها العالم في مراحل كثيرة لنقاط اللاعودة، وليس ما يشهده عالمنا المبتلى هذه الآونة من اضطرابات مفزعة، كان العجز عن توفير مصادر الغذاء هو الحكم فيها والسيد، فمن يملك رغيفه يمتلك قراره.
وإن مما يحمد للعمل الخيري الكويتي وعيه المبكر بهذه المعضلة، وسيره معها في معادلة ترشيد لأدواتها الحاكمة، التي وضعت نصب أعينها حتمية توافر البدائل، والاستثمار في أفكار المستقبل، خاصة فيما يخص الشأن الغذائي، وعلى صعيد التنمية الزراعية واستنباط الحلول، كانت له وثبات محسوبة، خلفت مزيدا من الثقة لدى كثيرين في مجالات الأمن الغذائي العالمي، بل واستطاعت سد العجز في كثير من البؤر حول العالم، والتي ذاق الإنسان فيها وبال الخوف والجوع، لقد خلقت مشاريع الاستدامة الزراعية طموحات حقيقية في غد أكثر أمنا، وأقرت حالة فريدة تنظر بعين الاعتبار للجياع، الذين غاية أمانيهم ملء بطونهم بالخبز، وتلك لعمري أقصى أحلام البسطاء، ولا أدل على ذلك من مشاريع النجاة الخيرية الكويتية التي أقامت العديد من المشاريع الزراعية الوقفية المنتجة للكثير من البسطاء والمحتاجين في مختلف دول العالم.
لقد اعتمدت فكرة الاستدامة في الحقل الزراعي على الوعي بأهمية ابتكار آليات تلبي متطلبات الاحتياج، وتقوي فرص اقتحام هذا المجال بأفكار عصرية، تصلح لأن ترسم طريقا وسطا يربط ما بين تحقيق الفائض في الإنتاج، وخلق مشاريع زراعية دائمة، وبين العناية بصحة البيئة وإعادة النظر في سلامتها من المخاطر المحدقة بها، فأتت المشاريع الزراعية المنتشرة في كثير من البلدان الفقيرة أكلها، خاصة تلك التي تصحب تحركات الآبار التي يعكف العمل الخيري الكويتي على رعايتها وتوفيرها بشكل ملحوظ، وقد رأينا مدى العناية بهذا النمط الذي يعتمد الديمومة قنطرة عبور نحو الكفاية، وطرح الحلول الغذائية الآمنة، وفي الوقت ذاته تعنى بصيانة بيئية مقننة في تلك المجتمعات، فتعميم أفكار البساط الأخضر، هي الحل السحري الذي يقدم النموذج البيئي السليم، الذي يحد من تغول الإنسان العصري، ويجمد تعديه على الحياة على سطح هذه الكوكب المنكوب، ولقد كان لهذه الرؤية تجلياتها الإيجابية في أكثر من محطة حول العالم.
لقد استفرغت عمليات بناء الآبار – بشكل موسع – في بعض الدول التي تعاني أزمات مائية معالم الاستدامة، بل وأحاطتها خبرا، حين حمست من قيام مجتمعات متكاملة أنشئت على هامشها، كان للوجود الزراعي الدعامة الأساسية، التي تحركت مراعية أبعاد الحياة الإنسانية بمختلف أشكالها، وتلك برأيي من مشتملات العمل الخيري المستشرف للمستقبل.
ولعل في رهانات الواقع وتصدعاته فيما يخص إعطاء الضوء الأخضر كي تقوم الاستدامة الزراعية بأعبائها، والتي لم تغب لحظة عن بال صناع القرار الخيري، الذين آمنوا بفاعليتها، وصدقوا على تأثيرها، وأفردوا لها المتسع المناسب، كي تكون قادرة على العمل والجاهزية، وهذه المشاريع الطموحة المنتجة لصنوف الحاصلات الزراعية، والمتحسسة سلامة البيئة، ما هي إلا نتيجة للدعوات لتخليص الإنسان من آلامه، ووعاء أمين حمل وعمل على ترسيخ ضرورة انقاذ الكثيرين من براثن الفقر، وأكد واجبات العمل الخيري الذي يلتفت للجزئيات قبل الكليات.
