حاولت قدر المستطاع تجنب الحديث عن الحب في كتاباتي الأخيرة، فإذا به يتحدث عن طريق قلمي مجبرا.. وأنا بين الصفا والمروة أتتني الخاطرة فتمحورت وتبلورت الفكرة في ذهني.. فالأفكار بالعادة لا أستحضرها بل هي تستحضرني.. والخواطر لا أكتبها بل هي تكتبني.. فقلمي ما هو إلا مداد لأفكاري وخواطري.
الحب.. من المواضيع التي لا يمل الحديث عنها ولا يكل من ذكرها.. الكلام فيها محبب للقلوب قبل العقول.. فكم من قلب ميت أحياه الحب وكم من موجوع تشافى بالحب وكم من مكلوم برئ بالحب.
حينما يخطر على بالك الحديث عن الحب وأنت بالسعي بين الصفا والمروة.. تعلم أن الحب هو سعي حثيث بين شخصين أو نصفين أو جزأين يكمل به أحدهما الآخر.. الحب أوله شعور.. تتبعه مبادرة.. ثم ينتظر الطرف الأول من الطرف الثاني مبادلة هذي المشاعر والمبادرات.. ليكتمل ويكون بأجمل صورة وأبهى حلة.
الحب.. يعطي لكل شيء قيمة.. فحب الأب لأبنائه عطاء ورعاية.. وحب الزوج لزوجته احتواء وتقدير.. وحب الصديق لصديقه متابعة واهتمام وحب المحب لمحبوبه تضحية وبذل.. الحب ما وجد في شيء إلا جمله وزانه وما نزع من شيء إلا قبحه وشانه.. الحب كلمة منحرفين لكنها تزن في مفهوم العارفين مثقالين من الأحاسيس والمشاعر الدافئة.
الحب.. تكلم فيه العارفون والعلماء.. والمفكرون والأدباء منذ قديم الأزل.. ليس للحب تعريف واحد حتى ينضبط، كما أنه ليس له مفهوم مجمع عليه حتى يعتمد.. الحب له تعريفات عديدة ومفاهيم كثيرة.. يصعب حصرها وعدها.. لذلك مشاعرك وأحاسيسك الحقيقية هي حب.. فالحب لا يحتاج لكلمات مصففة وتعابير منمقة حتى يكون حقيقيا.. يكفي شعور الطرف الآخر بما تشعر ليكون حبا.
الحب يجمع بين النقيضين.. فالحب فرح وحزن.. والحب أمل وألم.. والحب هدوء وقلق.. والحب سكون ونفور.. والحب دواء وداء.. الحب علامة فارقة في الصداقة.. الحب قرار مفصلي في استمرار العلاقة.. الحب دافع للإنجاز.. الحب رغبة في الاستمرار.
يخبرني صديق يعيش في نيوزيلندا انه انتقل للعمل في مكان جديد فلم يشعر بالراحة والاستقرار بمكان عمله.. فأخبر بأنه إذا أحب شخصا بالمكان فإنه سيحب المكان.. فالأجساد تتعلق بالأرواح قبل الأمكنة.. وفعلا أحب شخصا بالمكان وأصبحت بينهم صداقة.. فأحب المكان وأصبح يشتاق للذهاب إليه كل يوم.
الحب في ميزان الدين مكانته عظيمة.. وفي ميزان العرف مكانته رفيعة.. وفي ميزان العادات والتقاليد مكانته عالية.
حينما رفعت قلمي عن الكتابة في الحب سابقا.. رفعته لأني لا أعرف من أين أبدأ بالتحديد ولا كيف أوقف سيل الكلمات في الخوض بالحديث في معنى عميق وكبير قد أصابه التشويه من كل حدب وصوب.. لذلك قررت الابتعاد عن الحديث عنه.
والآن سأرفع قلمي عن الكتابة في الحب من جديد.. لعلمي اليقيني بأن السابقين واللاحقين قد أشبعوا مفهوم الحب.. بحثا وتدقيقا وتمحيصا.. فلم يتركوا لأمثالي من المتطفلين على موائد الكرام شيئا يقتاتون عليه.
الحديث عن الحب ممتع.. والأمتع أن تجد من يبادلك الشعور.
