لا شك في أن الهواء الملوث من أكثر العوامل السلبية التي تضر بصحة الإنسان، وصحة جميع المخلوقات الأخرى، وقد ارتبط الهواء الملوث دائماً بانتشار وزيادة حدة العديد من الأمراض، خاصة الأمراض الصدرية، إلا أن دراسة حديثة نجحت في إلقاء الضوء على الأثر السلبي للهواء الملوث على الصحة النفسية والعقلية أيضاً.
وأجرى فريق بحثي مشترك، من جامعتي “كولورادو” و”مينيسوتا” الأمريكيتين، دراسة للكشف عن العلاقة بين المناطق المحتوية على هواء يحمل نسبة عالية من التلوث وارتفاع معدلات الجريمة، وذلك بالاعتماد على سجلات مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي ووكالة الحماية البيئية، وفقاً لما نشرته “الوطن” نقلا عن مجلة “The Economist” على موقعها الإلكتروني.
ركز الباحثون على السجلات المتعلقة بالفترة ما بين عان 2006 وعام 2013، في نطاق 397 مقاطعة، وقد وجدوا أن زيادة معدلات تلوث الهواء بالجسميات الدقيقة “PM”، بنسبة 10%، نتج عنه زيادة معدلات الجرائم العنيفة بنسبة 0.14%، بينما ارتبطت زيادة كمية غاز الأوزون في الهواء، بنفس النسبة، بمعدلات جريمة مرتفعة بنسبة 0.3%.
يمكن لملوثات الهواء أن تزيد بنسب أعلى من ذلك بكثير، وذلك بسبب العديد من العوامل، وتعتبر معدلات التلوث المرتفعة التي شهدتها مدينة “سان فرانسيسكو” الأمريكية، بولاية “كاليفورنيا” الأمريكية، خير دليل على ذلك، حيث ارتفعت نسبة الجسيمات الدقيقة والأوزون في الجو بما يعادل سبعة أضعاف النسبة العادية، في نوفمبر الماضي، وذلك نتيجة لحرائق الغابات التي انتشرت في الولاية.
الجسيمات الدقيقة، “Particulate Matter” أو “PM” اختصاراً، هي جزيئات صغيرة تتواجد في الهواء بنسب تختلف تبعاً للعديد من العوامل، وتؤدي زيادتها لصعوبة التنفس وزيادة حدة الأمراض الصدرية وصعوبة الرؤية، وتتكون هذه الجسيمات من أنواع وأشكال مختلفة من المواد الكيميائية والأتربة والجزيئات الصلبة.
العلاقة بين تلوث الهواء ومعدلات الجريمة قد لا يرقى لدرجة السببية، إذ لم يستطع الباحثون أن يثبتوا هذا الارتباط بشكل كامل، إلا أن الارتباط مازال مؤشراً قوياً على دور أنواع التلوث الهوائي المختلفة في زيادة الأفكار العدوانية والسلوك العنيف لدى هؤلاء الذين يستنشقون ذلك الهواء الملوث.
هذه ليست الدراسة الأولى التي تحاول الربط بين التلوث وارتفاع معدلات الجريمة، فهناك عدة دراسات تربط بين منع الولايات المتحدة الأمريكية أنواع الطلاء المحتوية على الرصاص، في سبعينات القرن الماضي، وبين انخفاض معدلات الجريمة بشكل كبير في فترة التسعينات، حيث يعتقد أن انخفاض نسبة الرصاص التي تعرض لها المواليد الجدد والأطفال في فترة السبعينات، قد ساهمت في تحسين سلوكهم والحد من الأفكار والتصرفات العنيفة لديهم، عندما أصبحوا كباراً بعدها بحوالي عقدين.
يعتقد الباحثون الذين أجروا الدراسة الأخيرة، أن انخفاض معدلات تلوث الهواء بالجسيمات الدقيقة وبغاز الأوزون، بنسبة 10% فقط، يمكن أن يوفر ما قيمته 1.4 مليار دولار تقريبا، حيث سيؤدي انخفاض الجريمة إلى تقليل نسبة الخسائر المادية التي ستحتاج غلى اصلاح أو استبدال، وكذلك تقليل نسبة الخسائر البشرية التي ستحتاج إلى علاج ورعاية طبية، كما سيقلل من تعطل عجلة الإنتاج نتيجة للمشاكل المخلفة المترتبة على الجرائم، وسيساعد الشرطة على ترشيد نفقاتها، بالتقليل من عمليات المطاردات والحصار والتدخل المسلح.
