الخبز الإيراني.. 95% من صُنّاعه أفغان!
قدمت أم يوسف تتكئ على عكازتها، قاصدةً المخبز الايراني، تجر قدميها بصعوبة، وتتوقف لالتقاط أنفاسها تارة، ثم تخطو تارة اخرى. أم يوسف ذات الستين ربيعاً وقفت امام طاولة الخباز لتشتري، كعادتها، الخبز الحار، وقالت: «أفضّل الخبز الايراني، وأحرص على المجيء بنفسي لشرائه كل يوم». ام يوسف لم تكن وحدها، بل هي نموذج لعدد آخر، اعتاد الحرص على شراء الخبز الايراني وأكله طازجاً، فهو مفضل لدى كثير من المواطنين والمقيمين، على حد السواء. وبينما يقف الزبائن أمام المخبز الإيراني في الخارج، تختمر في الداخل حكايات وتفاصيل ومتاعب وأعباء يواجهها العاملون في هذه الحرفة، التي لا يعمل فيها إلا من يحبها، ويؤمن بها في المقام الأول؛ ففي داخل المخبز عامل يجهّز الطحين، وآخر يعجنه بالماء حتى يصبح عجيناً، وثالث يكوّر العجين، ويفرده على دائرة من قماش لتأخذ الخبزة شكلها الأخير، ومن ثم يدخلها شخص آخر في فوهة التنور، ويلصقها في السقف أو أحد الجوانب، حتى تنضج. إنها رحلة عمل شاقة ومرهقة وتزداد صعوبتها صيفاً، حيث يصبح الحر مضاعفاً أمام فوهة التنور، لكن من «يترزّق الله» عليه أن يصبر ويتحمّل في سبيل مصدر دخله وعمله، أو كما قال أحد الخبازين: «بعرق جبينك تأكل خبزك»، في تعبير عن محبة العمل وتقديره على مشقّته، وكان من اللافت أن %95 من صناع هذا الخبز من الجنسية الافغانية. القبس جالت على عدد من المخابز في مناطق متفرقة، وفي ما يلي التفاصيل: قال صالح الرشيدي إن الخبز الايراني شيء أساسي بالنسبة إلي، ولهذا أقصد المخبز في كل يوم لشراء الخبز كعادتي اليومية منذ 53 عاماً، مشيرا إلى أن طعم هذا الخبز يختلف عن غيره، ناهيك عن قرب محاله من منازلنا، ولهذا نراه أقرب وأفضل وألذّ. خبز التنّور ومن جانبها، قالت ام يوسف ان قصتي مع الخبز الايراني بدأت قبل أربعة عقود تقريباً، فمنذ عرفنا هذا النوع وانتشرت محاله استغنينا عن خبز التنور في منازلنا، واتجهنا في الاعتماد على الخبز الايراني. وتابعت: ان حرصي على المجيء يومياً لشراء الخبز يذكرني بالماضي، حين كنت أصغر سنّاً، وبالأيام الجميلة، إضافة الى أننى أعتبرها اليوم رياضة المشي بالنسبة إليّ، ولهذا أخرج كل يوم لقضاء احتياجاتي وشراء مستلزماتي. من جانبه، اعتبر طلال عجيل ان الخبز الايراني اكثر جودة وفائدة من أي نوع آخر، ولله الحمد على هذه النعم، التي نختار منها ما نأكل. وقال: منذ نعومة أظافري وأنا أشتري هذا النوع من الخبز، ولهذا لا يمكن الاستغناء عنه أو استبدال أي نوع آخر به. الإقبال مستمر وكان لا بد من معرفة رأي الزبائن في مدى الإقبال على الخبز الإيراني في الآونة الأخيرة، وعن ذلك يقول محمد صالح: ان هذا الخبز من أفضل الأنواع التي اعتادها الشعب الكويتي؛ ولهذا نرى الاقبال عليه مستمرا، ولم ينقطع جيلاً بعد جيل. ونفى أن يكون هذ الخبز مصدراً للأمراض، مشيرا إلى أن هذا غير صحيح، ملمحا إلى ان بعض أصحاب المخابز الأخرى يروّجون هذه الإشاعات لتخويف الناس من الخبز الايراني. وأوضح خالد الفضلي ان الغريب في الامر أننا ما زلنا نسمي هذا النوع «الخبز الايراني» نسبة الى أول من اشتغل بمهمة الخباز من الجالية الايرانية، في حين ان 95 في المئة من المخابز الحالية يديرها أفغان. القبس استطلعت آراء عدد من العاملين في المخابز الإيرانية، الذين يوصفون بأنهم «أصحاب العرق في مواجهة النار». وقال عبدالله خان: عملي خبازا في التنّور الايراني بدأ قبل 25 عاماً قضيتها بين التنور والعجين. واوضح: ان المخبز الذي أعمل به في منطقة الصليبيخات ينتج ما يقارب 1500 خبزة يومياً، وذلك وفق الطلب؛ فهناك ايام يزداد فيها عدد الزبائن كأيام العطل والمخيّمات والمناسبات الدينية والاجتماعية. أما حسن الافغاني فقال: إن مهنة الخباز مهمة جدّاً بالنسبة الى المستهلكين الذين لا يمكنهم الاستغناء عن هذا الخبز؛ لأنه عنصر أساس في كل وجبة. وأضاف ان الخبز الايراني تطوّر مع تطور الحياة؛ فأصبحنا نضيف إليه اضافات أخرى وفق رغبة الزبائن؛ كالسمسم والأجبان، مشددا على ان هذه الحرفة لا يتحمّل متاعبها إلا كل من يعشقها. إعداد العجين ومن جانبه، قال كليم الله: ان عملي في المخبز يقتصر على إعداد العجين لزملائي الآخرين؛ فعملنا مكمّل لبعضه، وذلك بهدف تقديم أفضل انواع الخبز للمستهلكين. ولفت الى ان عملنا يمتد خلال فترتين صباحية، واخرى مسائية، وذلك وفق طلبات الزبائن الذين تختلف اعمارهم بين جيلي الشباب والكبار؛ فالكل يقصدون هذا النوع من المخابز من دون كلل أو ملل.