بالرغم من أهمية التاريخ وما له من دروس مستفادة وما يمثله من رصيد حضاري وأخلاقي وثقافي بأي مجتمع وما يحدثه من تأثيرات عند متابعة بعض أحداثه سواء كانت متاحف أو آثار أو من ذاكرة الرعيل الأول، فإن جميع تلك المصادر لها فوائدها لتسجيل وتوثيق التاريخ، إلا أن البعض لديهم ولع مرضي بالتاريخ والتنقيب في أسراره للبحث عن أمور قد لا تبدو وجيهة أو ذات مغزى أو فائدة للآخرين.
وعلى سبيل المثال، ما أهمية تاريخ ونشأة رباط العنق للآخرين؟ وهل كل من يرتدي رباط العنق عليه أن يلم بتاريخه وكيف نشأ؟ وكيف تطور حتى وصل إلى ما هو عليه الآن؟ وكيف نشأ مشبك رباط العنق ومن أول من استخدمه؟ أما تاريخ حمالات الصدر للنساء فهو تاريخ مثير، ولكنه ليس بالضرورة أن كل من ترتديها يجب أن تعرف تاريخها ونشأتها.
وهناك الكثير من الأمثلة في حياتنا اليومية عن الولع المرضي بالتاريخ بينما بعض أحداث التاريخ ذات الأهمية للبشرية وللمجتمع قد لا تجد نفس الاهتمام والولع بها وبتفاصيلها ما لم يشارك الإنسان في اختبار من سيربح المليون أو اختبار ضمن مقابلة شخصية للفوز بوظيفة. إن الحياة كالسوق الكبير المفتوح متعدد الأذواق والأنواع ويتسع للجميع حتى لمن لم يجتازوا بنجاح مقرر التاريخ المتعلق بحمالات الصدر أو رباط العنق أو المشبك له أو تاريخ الحفاضات أو براءة الاختراعات المتعلقة بالكثير مما نستخدمه الآن في حياتنا اليومية التي لم تعد بسيطة أو سهلة حتى مع ولع البعض للتاريخ المثير.
فماذا لو تعرضت لمقابلة شخصية قبل الاختيار لوظيفة رفيعة وفوجئت بأن الممتحن يسأل عن تاريخ حمالات الصدر أو مشبك رباط العنق أو تاريخ الحفاضات أو غير ذلك من الأسئلة التي يعتقد الممتحن أنها ضمن المعلومات العامة والبديهيات ما دمت ترتديها أو تستخدمها من منطلق أنك لا تستخدم شيئا قبل أن تعرفه جيدا وتلم بتاريخه.
إن محاولات الغوص في التاريخ يجب أن تكون هادفة ومحسوبة ولها فائدة، لأن التاريخ مثل البوفيه المفتوح والإغراءات كثيرة أمامك وعليك أن تنتقي منه ما يناسبك ويفيدك، فالقرار لك وحدك والمردود سيكون عليك جميلا عندما تختار المفيد منه.
