البحث عن الشهرة وكسب المال ميزتان مهمتان لدى كثيرين حول العالم بات الطريق معبداً للوصول إليهما من خلال الإعلام الحديث؛ فعمل حسابات خاصة على مواقع التواصل وصناعة محتوى ما كفيل بذلك.
ويختلف صناع المحتوى في خطة الوصول إلى غاياتهم؛ فهناك من يقدم مواد تحمل منفعة للمتلقي، وهناك من يقدم مواد توصف بـ”التافهة” ويعتبرها كثيرون بأنها تفسد أخلاق المجتمع، خاصة المراهقين والشباب.
ذلك ما كان تطرق إليه خطيب الحرم المكي الشيخ فيصل غزاوي، في خطبة صلاة الجمعة، 26 أغسطس 2022، إذ حذر من مشاهير التواصل الاجتماعي، متهماً إياهم بأنهم “يبثون رسائل هدم للبيوت ويدمرون القيم والمبادئ”.
وقال خطيب الحرم المكي: إن “من المخاطر التي تهدد بنيان الأسر المسلمة التأثر بمقاطع بعض مشاهير التواصل الاجتماعي التي تحمل في ثناياها رسائل هدم للبيوت ودمار للقيم والمبادئ”.
وتابع الشيخ غزاوي أمام عدد كبير من المصلين والمعتمرين من مختلف دول العالم انتقاداته لمشاهير مواقع التواصل الاجتماعي قائلاً: “فالحذر الحذر من ذلك”.
مشاهير وفاشنيستا
كلما كان عدد متابعي المشاهير والفاشنيستا كبيراً كان حصد الأموال أكبر؛ وذلك من خلال نسبة المشاهدات والإعلانات.
وتختلف المواضيع التي يتطرق إليها هؤلاء المشاهير من الذكور والإناث وفق البصمة التي تركوها بين متابعيهم، فبينهم من يستعرضون يومياتهم وتفاصيل من حياتهم.
كما يستعرضون الملابس والإكسسوارات، وبعضهم يؤدون مقاطع تمثيلية، وآخرون يؤدون أغاني ورقصات، ويستعرض مشاهير المدن والأكلات، وتنشر فاشنيستات صور ومقاطع فيديو يستعرضن من خلالها ملابسهن التي تكشف أجزاء من أجسامهن وطرق وأساليب وضع مساحيق التجميل وأصباغ الشعر.
علاوة على هذا يستعرضن عمليات التجميل التي تغيّر أشكالهن الحقيقية وتشمل مواقع عديدة من أجسامهن ووجوههن.
كل ذلك يمثل لدى النسبة الأوسع من المجتمع الخليجي حالات شاذة عن طبيعة وتقاليد هذا المجتمع، ويعتبره كثيرون يدفع باتجاه إفساد الشباب والمراهقين.
دعاة لإصلاح المجتمع
في المقابل فإن هناك عدداً كبيراً من صناع المحتوى الخليجي يقدمون مواضيع هادفة تشمل مجالات حياتية مختلفة، منها نصائح طبية، واقتصادية وإرشادية وتربوية.
كما يقدم موسيقيون مواضيع تثقيفية تهتم بالفن الهادف واستعراض الفنون بشكل نافع، ويقدم كثيرون مواضيع رياضية، خاصة مع وجود نسبة كبيرة جداً من عشاق الرياضة، ولا سيما كرة القدم.
وفي الصناعات المختلفة هناك من يقدمون معلومات تحمل قيمة كبيرة، فضلاً عن مشاهير يستعرضون في رحلات لهم مدناً ومناطق مختلفة، وطبيعة سكانها وتراثهم؛ ما يسهم في إثراء معلومات وثقافة المتابع.
وللدعاة مساحة كبيرة للخوض في مختلف المواضيع، لا سيما أن المجتمع الخليجي مجتمع مسلم محافظ.
ومن خلال مواقع التواصل يسعى دعاة خليجيون إلى انتشال المجتمع مما يهدده من المخاطر التي تبرز؛ منها المخدرات التي تأخذ بالانتشار في المجتمع الخليجي، إضافة إلى ما يبثه الفضاء المفتوح من أفكار يؤكد الدعاة أنها تفسد المجتمع؛ مثل تشجيع المثلية، والتشجيع على الخروج عن طاعة الوالدين.
من بين هؤلاء الدعاة يبرز الشيخ محمد العوضي، الذي يؤكد أهمية اختيار الشخص من يتابعهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
يقول في تغريدة أرفق معها مقطع فيديو عبر حسابه على منصة “تويتر”: “تخيل أن شاباً أو فتاة كل اهتماماتهم متابعة مشاهير التفاهة والبلاهة والفاشنيستات وحسابات إثارة الغرائز واستعراض ما غلا ثمنه من مقتنيات، هل مثل هذه المتابعات الرخوة قادرة على خلق شخصيات متوازنة في معايير فهم الحياة وأولوياتها والالتزام بالقيم؟ قل لي من تتابع أقل لك من أنت”.
صناعة التافهين
في مقال له بصحيفة “الرؤية” العُمانية يقول صالح الفهدي: “إذا أردتَ أن تقيم ثقافة شعب فانظر إلى نوعية المشاهير فيه، والفئات التي تحظى بالاهتمام، والشرائح التي تقدَّم في مختلف المجالات”.
وتابع يقول: “إنني لأعجبُ أشدَّ العجب حين أُراقب بعض المشاهد التي تُصنع فيها التفاهة، ويشكَّل فيها التافهون على صُعُد مختلفة؛ منها مجتمعية، أو إعلامية، أو مؤسسية”.
وأضاف: “نحن شعب له تاريخه المجيد، وسيرته العريقة، فكيف سمحنا لهؤلاء التافهين أن يكون لهم ظهور لافت، وكلمة صاخبة؟!”.
وزاد: “كيف سمحنا لهم أن يتقمَّصوا أدوار (المؤثرين الاجتماعين) وهم في الأصل (المفسدون الاجتماعيون) أو (مروِّجو التفاهة)؟! كيف نحارب المؤثرات العقلية كإدمان المخدرات، ولا نحارب التفاهة وهذه علَّةٌ أعظمُ منها؟!”.
شهرة سريعة
قناة “الإخبارية” السعودية قالت عبر تقرير لها: إن “هوس الشهرة يدفع صغار العقول إلى صناعة محتوى غير أخلاقي ومنافٍ لقيم المجتمع”.
جاء ذلك من خلال استعراضها مسلسلاً عربياً عرضته قناة “نتفليكس”، وفيه قبّل الممثل السعودي مؤيد النفيعي إحدى الممثلات ضمن مشهد من العمل؛ ما أثار غضباً واسعاً بين السعوديين.
وظهر مؤيد النفيعي في المشهد، وهو يقبّل الممثلة التي تشاركه المشهد قبلة حميمية في حفل زفاف، على طريقة الأجانب حين يقول الكاهن: “يمكنك الآن تقبيل العروس”؛ فاعتبر السعوديون جرأة النفيعي مخالفة للأعراف والقيم التي نشؤوا عليها.
وهاجمت فضائية “الإخبارية” النفيعي قائلة: “تحظى بنجومية مؤقتة، فقط كل ما عليك فعله هو مخالفة قيم المجتمع عن طريق صنع عمل بمحتوى يشجع على الانحلال الأخلاقي”.
زواج خيالي
في مقال لها بصحيفة “الوطن” البحرينية حمل عنوان “خذوا الحكمة من أفواه المشاهير”، تتساءل الكاتبة لولوة بودلامة قائلة: “هل نتأثر بمشاهير السوشيال ميديا؟ ما هو حجم التأثير؟ كلها أسئلة تستحق التفكر فيها، ما دام أخذ الحكمة أصبح من أفواه المشاهير، وغاب دور المختصين والخبراء والمثقفين!!”.
وتضيف بودلامة: “حدثتني إحدى الشابات أيضاً عن أنها متأثرة جداً بالحرية الشخصية داخل منظومة الزواج، التي أطلقت عليها “شركة الزواج” قائلة: إذا تزوجت لازم يكون زوجي منفتحاً فكرياً، ويسمح لي بالقيام بكل ما يحلو لي”.
وأضافت: “أيدت باقي زميلاتها كلامها قائلات: إذا مو عاجبه كيفه، يروح ويجي عشرة غيره”.
وأشارت بودلامة إلى أن هذه الشابة استشهدت ببعض المشهورات اللاتي تزوجن أحسن الرجال، حيث تقول: “وكل ما تتطلق تحصل واحد أحسن من إلي قبله”.
ووفق الكاتبة، تقول هذه الشابة: إن “الزوج هو مجرد شريك بإمكانها استبداله في أي وقت لا تجد منه فائدة أو ربحاً!! وقالت طبعاً يجب أن يهديني زوجي هدايا كما أهدى الزوج الفلاني زوجته المشهورة أو ما يشم مفارق راسي”.
وتساءلت بودلامة باستغراب: “هل هو هذا واقع الزواج؟ هل هذا هو الاستقرار الأسري الذي نتطلع إليه؟”.
