الرحل بتشديد الراء، وهو ما يوضع على ظهر البعير للركوب، وكل شيء يعد للسفر، وهذا مثل عربي له قصة مؤثرة، وأول من قاله الشاعر والحكيم الجاهلي عبيد (بفتح العين) بن الابرص الاسدي، ومعناه أنه لا يعينك على مصيبتك إلا الصديق الخالص الوفي لك، ولا يقف معك في أزماتك إلا خليلك، فأنت لا تعرف صاحبك إلا عند الحاجة إليه، فالأصحاب كثر ولكن النائبات تظهر معادنهم، وتعرف من خلالها غثهم من سمينهم.
ففي الاصحاب من ينطبق عليه قول الشاعر:
فأنت أخي ما لم تكن لي حاجة
وإن عرضت أيقنت أن لا أخا ليا
ومثل هذه النوعية من الأصحاب لا حاجة لك بها لأنهم أصحاب رخاء لا شدة، أما الصديق الصدوق فهو كقول الشاعر:
أخ لي لم يلده أبي وأمي
تراه الدهر مغموما بغمي
يشاطرني سروري في سروري
ويأخذ عند همي شطر همي
روى ابن سلام في طبقاته ان عبيد بن الأبرص من شعراء الطبقة الأولى من اصحاب المعلقات، ومن قصته أنه دخل الحيرة يوم بؤس الملك المنذر بن ماء السماء وهو اليوم الذي يقتل فيه كل من يراه داخلا بلدته، فأشرف عليه عبيد وكان الملك به عارفا فأسف لمجيئة في هذا اليوم لإعجابه بشعره وحكمه، ولكنها سنة سنها فقال له: هلا كان الذبح لغيرك يا عبيد؟ فقال: أتتك بحائن رجلاه، بمعنى (حملته رجلاه إلى هلاكه) فأرسلها مثلا، فقال المنذر: أو أجل بلغ مداه، ثم قال له: أنشدني فقد كان شعرك يعجبني، فقال: حال الجريض دون القريض وبلغ الحزام الطبيين، فأرسلها مثلا (والمعنى حال الموت دون قول الشعر، فالجريض الريق والقريض الشعر) وبلغ الحزام الطبيين، بلوغ الشدة منتهاها ويقال جاوز بدلا من بلغ، فقال له رجل من رجال الملك: ما أشد جزعك من الموت! فقال: لا يرحل رحلك من ليس معك، (فأرسلها مثلا) فقال المنذر: قد أمللتني فأرحني قبل أن آمر بك، فقال عبيد: من عزيز (فأرسلها مثلا) ثم دار حوار طويل كان نتيجته القتل فسمي هذا اليوم يوم عبيد، وكان آخر ما قاله قبل قتله:
وخيرني ذو البؤس في يوم بؤسه
خصالا أرى في كلها الموت قد برق
كما خيرت عاد من الدهر مرة
سحائب ما فيها لذي خيرة أنق
وكان عبيد هذا من جملة الموحدين العرب قبل الإسلام، ودمتم سالمين.
