#النخبة| حالات الانتحار في الكويت.. تدق ناقوس الخطر
أصبح خبر انتحار أحد الاشخاص من الأخبار المعتادة أخيرا، ولم يعد مثل هذا الخبر نادرا أو في نطاق محدود للغاية كما كانت الأمور فيما مضى.
«الأنباء» فتحت هذا الموضوع الشائك لتلقي الضوء على أبعاده ومسبباته وكيفية علاج المشكلة وتأثيراتها، حيث طرحنا المسألة على عدد من الأكاديميين والمتخصصين في علم الاجتماع وعلم النفس وفي الدين والشريعة.
وقد أجمع كل من شاركونا في تناول هذه المشكلة على أن حالات الانتحار التي حدثت مؤخرا في المجتمع تدق ناقوس الخطر وتستدعي الانتباه وتكاتف الجهود لمواجهتها.
وذكروا ان هناك أسبابا عدة تجعل الشخص يفكر في إنهاء حياته، موضحين كيفية مواجهة تلك الظاهرة، وأكدوا أهمية تحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمع وأن يشعر كل فرد بكرامته وانه متساو مع الآخرين في الحقوق والواجبات.
وفي السطور التالية التفاصيل:
في البداية، أوضحت أستاذة التخطيط الاجتماعي بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت د.سهام القبندي لـ «الأنباء»: ان الانتحار هو تسبب شخص في إنهاء حياته عمدا نتيجة لحالة اليأس والإجهاد التي تصيبهم في مواجهة المشكلات وصعوبة حلها مما تجرهم لمجموعة من الأمراض التي تصيبهم كالاكتئاب أو الأدمان وغيرها من الأمراض النفسية التي تؤثر على كفاءة وقدرة الفرد على مواجهة المشكلات اليومية.
وقالت القبندي: لقد طالعتنا الأخبار خلال هذه الأيام عن حالتي انتحار حصلت في الكويت والتي تدق أجراس الخطر حول لجوء الشباب لإنهاء حياتهم لأهداف خاصة بهم، وهذا يقودنا الى تصنيف أنواع الانتحار والتي توضح أن كل حالة انتحار تختلف عن الأخرى، موضحة ان هناك الانتحار الإيثاري، حيث يقتل الإنسان نفسه فداء لقضية أو للفت الانتباه لموضوع ما كما حدث في انتحار الشاب في تونس قبل اندلاع ثورات الربيع العربي، فقد كان انتحاره بقصد شحذ همم الشباب لتغيير الواقع المرفوض.
وهناك الهجوم الانتحاري وهو عمل سياسي يقصد به العنف ضد الآخرين وهذا ما شهدناه في أحداث مسجد الصادق حين فجر شخص نفسه لقتل كل المصلين.
وهناك المنتحر كما صنفهم أميل دوركهايم في نظريته عن المعيارية من يفقدون الرغبة في الحياة، حيث يتساوى عندهم الموت والحياة نتيجة خلل بالمعايير المجتمعية، فالأحداث السياسية والأزمات الاقتصادية والظروف الاجتماعية والبطالة والفشل الزواجي ضغوط مالية واقتصادية كلها مؤثرات وأسباب تقود الشخص إلى إنهاء حياته!
وأضافت: لقد وجد وفقا لبيانات منظمة الصحة العالمية ان هناك ما يقارب المليون شخص ينتحرون سنويا وهذا الرقم المهول يزداد بين الأفراد متوسطي الدخل وأيضا سكان المناطق الفقيرة إلا أن هناك دراسة رصدت أن الانتحار يزيد بين سكان المدن الصناعية، حيث الأفراد يعيشون بعيدا عن أسرهم، والقصد هنا أن الإنسان بطبعه اجتماعي وعاطفي، لذلك حين لا ينجح في تكوين الأسرة والعلاقات الاجتماعية والعاطفية التي تحميه من الحياة يشعر بالوحدة التي تقوده للانتحار.
وذكرت القبندي ان الأسباب كثيرة وكل حالة لها أسبابها الخاصة بها لذلك يأتي العلاج على كل المستويات، موضحة ان هناك حالات ترصد في المستشفيات كمحاولات انتحار ولكن تنقذ من الموت، وهذه الحالات تحتاج للعلاج النفسي والأسري حتى لا تعود لتكرار الانتحار.
وقالت القبندي: إذا كان الانتحار مرتبطا بالأسباب الاقتصادية وقلة فرص الحياة وزيادة الفقر والبطالة فهذه مسؤولية دولية في تحريك الاقتصاد وتشغيل الشباب وتحسين التنمية الاقتصادية، مشددة على ضرورة توفير المراكز العلاجية النفسية التي تعمل كصمام أمان للإنسان بتقديم الإرشاد والمشورة لهم، ولا ننسى الدور الإعلامي التثقيفي الذي يعمل على بناء وتوجيه فكر الشباب للعمل والإنجاز وتحقيق الذات.
عمل مشين
من جانبه، ذكر أستاذ علم النفس بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت د.خضر البارون لـ «الأنباء»: ان الانتحار عمل مشين وقد منعنا الله عز وجل من الانتحار كون الروح أمانة عند الإنسان ويفترض ان يحافظ على الأمانة ويتعامل معها بشكل جيد، موضحا انه لا يوجد اي عذر للإنسان الذي يقدم على الانتحار، بل يجب على الإنسان ان يواجه الصعوبات ويتعامل معها بشكل يتوافق معها.
وذكر البارون ان هناك عدة اسباب تجعل الفرد يفكر في الانتحار منها مواجهته لعدة مشاكل سواء اقتصادية او اجتماعية او سياسية، وفي المقابل لا يتمكن هذا الفرد من وضع الحلول المناسبة للمشكلة ويشعر بأن كل الأبواب انغلقت في وجهه ويشعر بأن الحل الوحيد هو التخلص من حياته بعد وصوله لحالة من «اليأس».
وأوضح البارون ان بعض الأفراد يفكرون في الانتحار بسب مضايقات يتعرضون لها سواء من الأهل او العمل او الأصدقاء او المجتمع بشكل عام، مشيرا الى ان اليابانيين على سبيل المثال ينتحرون بسبب عدم نجاحهم في المدرسة وحصولهم على الدرجة الجيدة.
ولفت البارون الى ان إصابة الفرد بأمراض نفسية قد تؤدي به في نهاية المطاف الى التفكير في الانتحار، لاسيما مرض الاكتئاب، موضحا ان الشخص المكتئب دائما يفكر في سبب وجوده بالحياة ويكون أميل الى إنهاء حياته نظرا لأن تقييمه لذاته يكون منخفضا جدا ولا يشعر بالسعادة في حياته.
وتابع البارون قائلا: الشخص الذي يفكر في الانتحار تظهر عليه الكثير من العلامات منها انه يتحدث مع المحيطين من حوله سواء أسرته او أصدقائه او زملائه في العمل بأن الحياة لا قيمة لها وأن وجوده او عدم وجوده لن يؤثر ولن يحدث فارق، ودائما يفكر بشكل سلبي في الحياة وأكثر العلامات دلالة انه سينتحر توزيع ممتلكاته الثمينة والتخلص من مقتنياته.
وأفاد بأن هناك شخصا يفكر في الانتحار لمجرد ان الإنسانة التي يحبها تخلت عنه وبالتالي يفكر في التخلص من حياته، وكذلك في بعض الأحيان قد يكون تعرض لخسارة مالية في البورصة او في التجارة او قد يكون هذا الشخص مدينا بمبلغ مالي كبير وليس لديه اي وسيلة لسداد الدين والطرف الاخر يطالبه بسداد الدين بما يجعله يتعرض لأزمة نفسية قد تجعله يفكر في الانتحار.
ونصح البارون انه يجب ألا ينظر الإنسان نظرة سلبية للحياة وأن يتعامل مع مشاكله بشكل هادئ ومرن ويضع الحلول المناسبة، مشيرا الى ان في الولايات المتحدة الأميركية يأخذون حديث اي شخص عن الانتحار محمل الجد، موضحا انه يفترض في شعوبنا العربية ان نلتفت لكلام الآخرين والتنبيه في حال كان كلام الشخص عن الرغبة في التخلص من حياته ومساعدته على التخلص من تلك الأفكار السلبية.
بدوره، أوضح عضو هيئة التدريس في قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت د.حمد العسلاوي لـ «الأنباء»: انه في الآونة الأخيرة كثرت حالات الانتحار في المجتمع، حيث طالعتنا الصحف بأخبار عن شخص يلقي بنفسه من أعلى عمارة وآخر ينهي حياته شنقا وثالث شاب يقوم بقطع شرايينه.
وذكر العسلاوي أن الاضطهاد والظلم سبب رئيسي وراء التفكير في الانتحار بل وتنفيذه فعليا، موضحا ان هناك أشخاصا يفكرون في الانتحار بسبب ظروف مالية وتراكم الديون وعدم القدرة على السداد بما يجعل الشخص يفكر في التخلص من حياته.
وعلى صعيد متصل، شدد العسلاوي على ضرورة ان يقوم الشخص بإجراء فحص دوري للوقوف على حالته النفسية والصحية بين وقت وآخر، موضحا انه لا يوجد شخص بمعزل عن الأمراض النفسية ويصاب بها الفقير والغني ويصاب بها المتعلم والجاهل فلا يوجد شخص لديه حصانة ضد الأمراض النفسية والعقلية.
وتابع قائلا: ولكن مع الأسف هناك بعض الأشخاص لازالو ينظرون إلى الطب النفسي «كوصمة عار» وهناك صورة ذهنية لدى الناس بأن من يذهب للطبيب النفسي هو شخص مجنون، مؤكدا خطأ تلك النظرية تمام والتي ترسخت في ذهن الناس من خلال المسلسلات والأفلام ولكن في الحقيقة فإن جميع البشر هم عرضة للأمراض النفسية.
وأشار العسلاوي الى كثرة حالات الانتحار في الآونة الأخيرة والذي يدل على اننا بحاجة لتحقيق أكبر قدر من العدالة الاجتماعية في المجتمع وأن الناس سواسية في الحقوق والواجبات والبعد عن الاضطهاد والظلم للآخرين بسبب لون او عرق او مذهب او دين او الجنس او خلفية ثقافية او جنسية او صفته القانونية سواء كان مقيما او غير محدد الجنسية، مؤكدا ضرورة محاربة كل أشكال التمييز والعنصرية في المجتمع.
أكدوا أن قتل النفس محرّم شرعاً وحكم من يرتكبه أنه آثم.
دعاة لـ «الأنباء»: خلاف بين العلماء بشأن تكفير المنتحر
لاستيضاح الجانب الشرعي في قضية الانتحار طرحت «الأنباء» الأمر على عدد من علماء الدين ليدلوا بدلوهم في مسببات هذه القضية وكيفية علاجها، والأهم الرأي الشرعي وتأصيل كيفية التعامل مع الموضوع من الجانب الديني وحكم المنتحر وثواب الصابرين على البلاء.
في البداية قال رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي د.خالد المذكور ان المنتحر في الإسلام حكمه آثم، والانتحار حرام شرعا، لما ثبت في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين، قال تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ومن قتل نفسه بشيء عُذِّب به يوم القيامة»، فالواجب على المسلم ان يصبر ويتحمل وأن يحافظ على روحه التي بثها الله في جسده. وقد اختلف العلماء على حكم المنتحر كافر أو ليس كافرا.
وأشار الى ان هناك من ينتحر لمرضه بألا يتناول الدواء، وهناك من ينتحر لفقره وهناك أشكال مختلفة للانتحار، وله أسباب عديدة ومنه ما يرجع لأمراض نفسية وعقلية او الفشل من نواحي الحياة.
وأضاف المذكور: ان الإنسان المؤمن لا يقدم على الانتحار مهما أصابه من بلاء الدنيا بل يصبر ويحتسب مقتديا في ذلك بالأنبياء والصالحين، وليتأكد ان الحياة الدنيا هي دار امتحان وابتلاء قال تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا).
بدوره، أكد الشيخ د.ناظم المسباح ان الإسلام حرم الانتحار كما حرمته جميع الأديان السماوية التي اعتبرت ان قتل النفس من الكبائر التي لا تغتفر وقال ان نصوص الشرع دلت على حرمة الانتحار.
وأضاف: ان ضعف الإيمان بالله تعالى وقلة الخوف منه وتعظيم الدنيا والتعلق بها أكثر مما حدده الشرع وضعف الإيمان بالقضاء والقدر والجهل بسنن الحياة الدنيا والجهل بأمور الدين الحنيف، فلو علم المنتحر ما أعده الله له من عذاب لما أقدم على الانتحار.
من جهته، أكد الشيخ يوسف السويلم لـ «الأنباء» ان تقوية الوازع الديني مسؤولية عدة جهات يأتي في مقدمتها الأسرة والمدرسة والمسجد والجامعات ومؤسسات عدة في الدولة.
وذكر السويلم ان الإنسان دائما يعيش لتحقيق أهداف في الحياة وفي حال واجهته عقبات تحول دون تحقيق أهدافه فهنا إما ان يتحمل الشخص ويكمل أو في حالة ضعاف النفوس يفكرون في إنهاء حياتهم والانتحار، وذلك يعود لطبيعة شخصية كل إنسان ومدى قدرته على التحمل.
وأكد السويلم ان ضعف الوازع الديني بين الشباب في مجتمعاتنا العربية زاد من حالات الانتحار، موضحا ان هناك أشخاصا يفكرون في الانتحار بسبب شعورهم انهم لا يعيشون حياة كريمة في المجتمع.
وذكر السويلم ان هناك انتحار بطيء وهو ان الشخص يعزل نفسه عن المجتمع ويمتنع عن الطعام والشراب ويعيش في حالة من البؤس وإن لم تتم معالجته نفسيا بشكل سريع قد يتحول الى الانتحار الفعلي بإنهاء حياته بشكل مباشر.
وأكد السويلم ان المدح والثناء للأشخاص يزيد من ثقتهم بأنفسهم، مؤكدا ان البلاد التي يحيا فيها الناس بكرامة وعدالة اجتماعية هي أقل عرضة لحالات الانتحار.