ليس «أم هارون» مجرد حلقات مسلسل تُعرض على الشاشات وتتضمن حبكة حول أقلية أو فئة وفدت إلى الكويت، وقضت فترة زمنية في بيئة اجتماعية ومن ثم خرجت دون أن تترك أثراً مهمّاً في هذه البيئة.. نتحدث عن فئة لا إمكان أبداً أن تتجانس أو تنصهر أو تكون جزءاً من التكوين الاجتماعي والثقافي في كل البيئات التي عاشت فيها، بسبب نزوعِها نحو الانكفاء والعزلة والتقوقع اجتماعياً وثقافياً. ربما كان طبيعياً الحديث عن اليهود في مجتمعات أو دول شكّلوا جزءاً من مكوناتها، مثل مصر والمغرب والعراق وسوريا وفلسطين ولم يكونوا طارئين. وربما كان من الطبيعي الحديث عن سياقات معينة، إن من وجهة سياسية أو اقتصادية أو حتى اجتماعية تخدُم هذه السياقات في أعمال درامية تتحدث عن أدوار لَعبتْها الحركة الصهيونية في تخريب هذا الوجود اليهودي القديم في هذه البلدان، إنْ من خلال تجنيد بعضِهم لأعمال التجسس والتخريب وإشاعة الفوضى كما حدث في حريق القاهرة أوائل الخمسينات، أو تخريب محال ومخازن اليهود والتعديات عليهم وعلى أملاكهم لحثهم على المغادرة إلى «أرض الميعاد» المزعومة وتأسيس دولة اليهود على أرض فلسطين العربية على حساب الشعب الفلسطيني العربي. تلك البلدان كانت بها جاليات يهودية كبيرة ذات تأثير قوي في حضورها الاقتصادي والمالي. بعض المتابعين يرى ببراءة أن لا ضيرَ في تسليط ضوء على فترة زمنية تتحدث عن التراث والموروث، وعن طبيعة العلاقات في زمن ما قبل النفط والطفرة الاقتصادية، لما فيها من إحساس بالحنين لحياة الكويتيين في زمن القلة والطيبة والتعاضد والتكافل بين أبناء الكويت. والبعض يتبرّأ من العمل لأنه ليس كويتياً تأليفاً وإنتاجاً وان الممثلين الكويتيين المشاركين فيه قلة. إن منشأ اعتراضنا على هذا العمل بالتحديد أنه يتحدث عن الكويت، والكويت بلد ذو خصوصية في منطقته إن في علاقاته أو مواقفه وفي ثقافته أيضاً. هذا البلد المنحاز دوماً إلى قضايا الحق والعدل وصاحب المبادرات الإنسانية على كل الصعد، وخصوصاً على صعد القضايا العربية بوجه عام، وقضية فلسطين العربية بوجه خاص، يجعلنا نقول إنه ليس من فراغ أن تتكون في الكويت أولى خلايا العمل الوطني الفلسطيني التي كونت فيما بعد منظمة التحرير الفلسطينية، وكانت الكويت سباقة إلى كل أشكال الدعم المادي والمعنوي لقضية فلسطين العربية. ليس غريبا استهداف الكويت المُمانِعة في هذه المنطقة التي تشهد محاولات حثيثة للتطبيع مع الكيان الصهيوني المغتصب، بدعم غربي منحاز وبروز وقاحة تطبيعيّة مع عدونا التاريخي والوجودي بحصان طروادة ثقافي، من خلال اختراق العقل الاجتماعي الكويتي على هيئة مسلسل تلفزيوني. نعم. ليست تهمنا تفاصيل العمل وأحداثه بقدر ما يهمنا أنه يحدث في وقت تزدحم فيه خطط التآمر على فلسطين وعلى شعبها، وعلى تصفية القضية لمصلحة الدولة اليهودية الصهيونية العنصرية، من خلال ما يسمى بصفقة القرن والدولة اليهودية وسياسات الضم لما تبقى من فلسطين، في وقت تتكثف الحملات الإعلامية والإعلان عن زيارات للكيان الصهيوني وتطبيعات لزوم مالا يلزم. إن أي تطبيعات مجانية تقدّم على شكل هدايا لعدونا التاريخي والوجودي لا تشبه في شيء إلا السرطان في جسد أمتنا. إن منشأ اعتراضنا أنهم يريدون اختراق بيئتنا الكويتية وثقافتنا وبنياننا الاجتماعي والوطني، عبر هذا العمل الذي يصوّر لنا تاريخ ماضينا القريب الذي نحِنُّ إلى مشاهدِه وصورِه عن الحياة الكويتية الجميلة البسيطة، كمن يدسّ السمَّ بالعسل وهو الخطر على عقولنا وعلى ثقافتنا الوطنية والعربية في هذا البلد. Volume 0% إن من يريد التسلل إلى بيوتنا وعقولنا بمخاطبته حنِينَنا لمرحلة عزيزة من تاريخنا عبر مشاهد تراثية بوجوه كويتية نقول له: الكويت عصيّة بفضل يقظة قيادتها ويقظة شعبها.
القبس
