اتخذت اسبارطة صاحبة أشرس وأصلب الجيوش في التاريخ أنظمة صارمة لبناء حضارتهم الحربية، فحظروا الفن وأهملوا السياسة والاقتصاد والإدارة ليركزوا على خلق مجتمع مكرس لفن الحرب متقوقعين على ذواتهم متصلبين ضد الانفتاح على الحضارات، لكنهم بعد أن بسطوا أيديهم على أثينا بالحرب ومع مرور الوقت أخذ الانفتاح الأثيني ينساب في الأقطار التي استولت عليها اسبارطة، فارتبك الحكام الاسبارطيون على أثينا، لأنهم وبحكم الجمود والانكفاء على الذات لم يتقنوا فناً سوى الحرب، فتآكل الدرع الذي أحاطوا به أنفسهم لسنوات خلافا لأثينا التي كانت تتصل بالعالم تتعلم التكيف مع حركة الحياة المستمرة، لربما حافظت اسبارطة على قوتها العسكرية، لكن الثمن الذي دفعوه نتيجة التقوقع وفقدان المرونة هو تصدع اسبارطة وبقيت أثينا سائلة مرنة متكيفة مع المتغيرات.
العالم يسير بسرعة مخيفة، فتاوى جامدة تصطدم بالواقع، سرعان ما تتغير لتنسجم مع حركة الحياة كما القاعدة «لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان»، الأزمات كجائحة «كورونا» تقلص خياراتنا وتجعلنا أكثر مرونة وتكيفاً مع الواقع، فأغلب المعاملات أصبحت تنجز إلكترونيا، عالم الصحافة الورقية يتغير ليتواءم مع الواقع عبر وسائل التواصل الحديثة، رموز سياسية ودينية وإعلامية اختفوا عن الساحة وبرز مكانهم آخرون أكثر مرونة وإبداعا وقدرة على التأقلم مع التغيير.
هكذا حركة الحياة، فعندما تتخثر العادات وتتصلب المواقف يتلاشى التأثير ويصبح الاصطدام بحركة الحياة أمرا حتميا، فلن تنتعش في الحياة إلا إذا كنت مرنا قابلا للتكيف مع المتغيرات، وما زال في الوقت متسع لتلقي عنك تلك القوقعة التي جعلتك تفوت الفرص وتتعلم فنونا جديدة وتكسب علاقات وتتقن مهارات، فكر ملياً بفاتورة التقوقع والجمود، فحضارات اندثرت ومذاهب تلاشت وشخصيات طوت ذكراها صفحات التاريخ، فالحياة لا تعترف بالقابعين في ثكنات الجمود بل تمد ذراعيها للمنفتحين المرنين، ارم عنك تلك الأغلال المقيدة لانطلاقتك سواء أكانت علاقات أو أفكارا أو عادات أو منظمات، فالمؤثرون والناجحون يتقنون لعبة التكييف ويتحركون بسرعة وسلاسة لئلا يتلاشى بريقهم ويبتلعهم التاريخ!
al_kandri@
الأنباء
