بدايات حرب الفجار في وارة الكويت
لقد حظيت البشرية جمعاء بنعمة غالية ومختلفة عن بقية النعم التي أنعم الله بها عز وجل على الإنسان ، هذه النعمة تمثلت في نبي الرحمة رسولنا الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – .
هو محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب والذي يعود إلى معد بن عدنان بن ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل – عليهما السلام – كان مولده – صلى الله عليه وسلم – بمكة المكرمة في عام الفيل الموافق سنة سبعين وخمسمائة من الميلاد.
لما بلغ النبي – صلى الله عليه وسلم- سن الأربعين أنزل الله – تعالى- عليه الوحي في شهر ربيع الأول وقيل في السابع عشر من شهر رمضان حيث خرج إلى غار حراء وجاءه جبريل – عليه السلام- فعرض له ليلة السبت وليلة الأحد ، ثم أتاه بالرسالة يوم الأثنين ، وكان أول ما نزل على النبي الكريم سورة العلق قال تعالى : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} .
عندما بلغ رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – الخامسة عشر من عمره كانت حرب الفجار قد دارت رحاها بين قريش و من معهم من كنانة وبين قيس بن عيلان و التي حضرها حيث كان ينبل على عمومته أي يرد عليهم نبل عدوهم إذا رموهم بها إذ كانوا قد أخرجـوه .
قال ابن كثير : ” كان القتال فيه أربعة أيام يوم شمطة ويوم العبلاء وهما عند عكاظ ويوم الشرب وهو أعظمها يوماً وفيه قيد رئيسا قريش وبني كنانة وهما حرب بن أمية و أخوه سفيان أنفسهما لئلا يفرا وانهزمت يومئذ قيس إلا بني نضر فإنهم ثبتوا ويوم الحريرة عند نخلة ثم تواعدوا من العام المقبل إلى عكاظ فلما توافوا نادى عتبة بن ربيعة بالصلح فاصطلحوا”.
و تروي لنا المصادر التاريخية أن قريشاً عندما علمت بمقتل عروة الرحال هو عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب سمي بالرحال لكثرة وفادته على الملوك وهو من قبيلة هوازن على يد البراض بن قيس الكناني دخلت في الحرب ، ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا ما علاقة قريش بالبراض حتى تكون لها وقفة وتعاون لأجل البراض ؟ الأمر الذي يقودنا إلى التطرق إلى البراض وشخصه ، والذي عرف من خلال المصادر التاريخية أنه سكير أي مدمن على شرب الخمر ، الأمر الذي دفع قومه إلى خلعه و التبرؤ منه ، فذهب إلى مكة ونزل على حرب بن أمية من قريش وتحالف معه ، إلا أنه عاد إلى الشرب فاستشعر تحرك حرب إلى خلعه حتى هب إليه طالباً منه العدول عن الخلع لأنه لا أحد يخلف قريشاً في إيوائه وقبوله ، مبيناً أنه سوف يخرج عنها وهو ما حدث بالفعل.
هذه الرابطة التي بسببها دخلت قريش الحرب المعروفة بحرب الفجار.
تتداول كتب التاريخ أن النعمان بن المنذر قد كان أحد ملوك المناذرة ، إلا أن كتباً أخرى لا تذكر لنا ذلك و لا تستعرض لنا توضيحاً مفصلاً عن شخصه ؟ ويذهب المؤرخون إلى أن النعمان بن المنذر كان حكمه في الفترة من خمس وثمانين وخمسمائة من الميلاد وحتى ثلاثة عشر وستمائة من الميلاد وكان يقال له ( أبيت اللعن ) و يطلق على قوافله التجارية ( اللطائم ) ، وحول جزئية التحقق من أن النعمان بن المنذر الوارد في قصة مقتل عروة الرحال المؤدية إلى حرب الفجار ، فإن تاريخ توليه لحكم مملكة المناذرة ترشدنا إلى مؤشرات إحتمال أنه ذات الشخص ، لأنه تولى الحكم من عام خمس وثمانين وخمسمائة من الميلاد ومولد الرسول – صلى الله عليه وسلم – كان في عام سبعين وخمسمائة من الميلاد ، أي أن الروايات التي تقول لنا أن عمره – صلى الله عليه وسلم – عندما حضر حرب الفجار كان خمس عشرة سنة ، تبرهن لنا أن سنة تولي النعمان للحكم هي التي دارت بها المعركة ، وهو النعمان المقصود في المراجع التاريخية التي سكتت عن تبيان أنه هو ملك المناذرة ، و بالتالي يكون الغموض – إذا سلمنا باجتهادنا حول هذه الجزئية – قد زال ، حتى نستطيع رواية حادثة القتل التي حدثت على إحدى أراضي الكويت وهي ( وارة ) اليوم ، قال عنه الحموي : ” أوارة بالضم؛ اسم ماء أو جبل لبني تميم، قيل: بناحية البحرين، وهو الموضع الذي حرق فيه عَمْرُو بن هند بني تميم”.
حادثة قتل عروة الرحال كانت بسبب إجازته لتجارة النعمان بن المنذر الذي كان البراض قد قال له بأنه يجيزها له على بني كنانة ، إلا أن النعمان أراد أن تجاز لأهل نجد ، الأمر الذي أصبح من نصيب عروة بعد أن أجازها ، فما كان من البراض إلا أن تتبع عروة وقتله وأخذ التجارة إلى خيبر .
يقول محمد بن سعد الزهري في طبقاته : ” فنزلوا على ماء يقال له أوارة ، فوثب البراض بن قيس أحد بني بكر بن عبد مناف بن كنانة ، وكان خليعاً ، على عروة فقتله وهرب إلى خيبر فاستخفى بها ” ، أما محمد بن حبيب يقول : ” ثم سار عروة حتى انتهى إلى أهله دوين الجريب على ماء يقال له أوارة “.
خالد طعمة
مؤرخ كوتي
