في الوقت الذي كان فيه النزاع دائرا بين مصر والسودان على «حلايب»، كانت اثيوبيا تبني سد النهضة وتستثمر هذا الخلاف لصالحها، لعدة سنوات كان السودان يقف مواقف رمادية خلال المفاوضات على هذا السد، رغم أنه يمس أمن السودان بل ووجوده.
لم تكن مواقف السودان تلك إلا محاولة للضغط على مصر، واليوم بعد أن انتهت اثيوبيا من بناء السد وبدأت فعليا عملية ملئه بالمياه، أدرك السودانيون – فجأة – أن هناك خطرا وجوديا يهدد بلادهم يتمثل باحتمال انهيار السد الواقع على منطقة زلازل، وبالتالي غرق السودان، وكذلك خطر العطش الذي سيصيب البلاد نتيجة النقص الكبير في تدفق المياه، خاصة أن اثيوبيا أعلنت أنها ستزيد من وتيرة ملء السد ما يعني تقليص حصص مصر والسودان من المياه، والتي تعاني أصلا من هذا النقص قبل ملء السد!
***
مشروع سد النهضة قديم، وبدأت عمليات البناء فيه منذ عام 2011، نعم انه العام الذي شهد ثورات الربيع العربي وسقوط حكم حسني مبارك ودخول المصريين في صراعات داخلية أشغلتهم عن قضاياهم المصيرية.
ومع هذا، لا يمكن إلقاء اللوم على ذلك فقط، إذ استمرت عمليات بناء السد منذ 2011 وبصورة علنية، وانتهى البناء واكتمل السد قبل بضعة أشهر، والآن بدأت عمليات ملء السد دون موافقة مصر والسودان كما تنص اتفاقية 1959، وبدون حتى أي اكتراث لما سيمر به شعبا مصر والسودان من عطش وانهيار للزراعة، فإثيوبيا ترفض حتى الآن ملء السد على 7 سنوات والتي يمكن أن تخفف من وطأة المشكلة، وتصر على ملء الخزان خلال 3 سنوات بحجة حاجة بلادهم للكهرباء وعوائدها على مشاريع التنمية التي يريدون تنفيذها بأسرع وقت.. هكذا وعلى حساب عطش وجوع مصر والسودان، دون أن يواجه هذا الصلف والتعنت الاثيوبي بأي موقف عربي حازم، فالعالم العربي شبه منهار وأصبح ساحة لتدخلات دولية تسرح وتمرح بجيوشها هنا وهناك، وبطلب من شعوب هذه الدول وأنظمتها!
***
لا يمكن أن تستمر الأمور بهذه الصورة المتهورة، يجب الاتفاق على حد أدنى من التوافق العربي، على القضايا المصيرية على الأقل، لا يعقل أن تأخذ الخلافات السياسية هذه المواقف الحدية التي لا تقبل بحلول وسط أو التأجيل لصالح قضايا مصيرية، لا يمكن الاكتفاء بالتفرج على عالمنا العربي وهو ينهار هكذا ويستباح بهذه الصورة المرعبة، عشرات الجيوش الأجنبية تتقاتل في بلدان عربية، ودول بسيطة أصبحت تتنمر على مصر والسودان ولا تبالي، إذا لم يشكل كل هذا ناقوس خطر وجوديا، أكرر «خطرا وجوديا»، وليست مخاطر عادية، فما الذي يمكن أن يحرك هذا السكون المرعب؟!
***
استمعت قبل أيام لوزير سوداني سابق كان ضمن فريق التفاوض على سد النهضة، سأله المذيع ما هي خياراتكم الآن وقد بدأت اثيوبيا بملء السد؟ فأجاب بكل سذاجة وسطحية وانكسار: المهم ألا توقع مصر والسودان أي اتفاق جديد مع اثيوبيا وتبقيا الأمر هكذا لأنه مخالف للقانون الدولي!
إثيوبيا تبني السد منذ 2011 دون اتفاق، فأين أنتم كل هذه السنين التي لم تحركوا فيها شكوى في الأمم المتحدة أو دعوى في محكمة العدل الدولية، حتى تريد الآن أن تثبت عدم شرعية بناء السد؟ بعد خراب مالطا؟
لا أعرف لماذا تذكرت قصيدة المبدع أحمد مطر.. عباس يا عباس!
الانباء
