ذات يوم إستمعت إلى برنامج رياضي، دار فيه حوار مقتضب حول مستوى منتخبنا الوطني، الذي ظل حبيس التراجع سنوات وسنوات، بينما صار تقدمه بطيء ومتقطع، قال الضيف ” بما هو معناه ” للمذيع: لدينا تاريخ كروي يمكنه أن يدفعنا للمستوى الأحسن.
لكن قاطعه المذيع قائلًا: لا يفيد .. تاريخنا لا يفيد !
وهنا أتسائل: هل تقوم نهضة الشعوب من العدم، بحيث لا تفيدنا قراءة ومعرفة التاريخ ؟
سوف أجيب عن هذا السؤال، بالحديث عن الفن في الكويت كمثال، يتصور بعضنا أن نهضة الفن في الكويت التي أشرقت في الستينات، لم تسبقها مقدمات منذ سنوات، وهذا غير صحيح، فأول مسرحية وبحسب المعلومات المتواترة ظهرت في الكويت عام ١٩٢٢ بإشراف عبد العزيز الرشيد، وهذا يعطي مؤشر على إستنارة متواجدة بين ثنايا شعب الكويت، ثم جاء عقد الثلاثينيات الذي لم ينتهي إلا بمسرحية أخرى كان عنوانها ” إسلام عمر ” وكان ذلك في العام ١٩٣٩ والملاحظ دور المدرسين العرب، من فلسطين المحتلة بالتحديد، في بزوغ هذه المسرحية التي مثلها الطلبة، من بينهم حمد الرجيب، الذي صار نابغة فنية وإستاذ في عالم المسرح فيما بعد، وفي عقد الأربعينات واصل الفن المسرحي إستمراره وإن بشكل متقطع، وكانت إحدى مسرحيات ذلك العقد مسرحية عنوانها ” مهزلة في مهزلة ” الذي كتبها شاعر النشيد الوطني أحمد مشاري العدواني، إذن من قراءتنا للتاريخ نجد أن الكويتيين، أو نخب منهم لم يستسلموا لحال إجتماعي صعب وبائس، ولم ينتظروا قرار رسمي ينقلهم من حال إلى حال، بل أن هذه المحاولات نستطيع اعتبارها هي الدافع وراء أي قرار رسمي، بشأن المسرح، والفن عمومًا، ولنا في بداية عقد الستينات مثال آخر، فحمد الرجيب الذي كان ممثلًا طالبًا في سنوات الثلاثينات، نراه في بداية الستينات يطلب من مكتشف الفنانين، المخرج العربي من جمهورية مصر العربية، زكي طليمات، الحضور إلى الكويت، لتأسيس مسرح وفق الأسس الحديثة، وهذا ما كان، زكي طليمات هو مكتشف أبرز فنانينا الذين حفظنا أعمالهم جيلًا بعد جيل، وصارت أعمالهم ” قوى ناعمة ” لنا وسط أمتنا العربية، نستنتج من قراءتنا للتاريخ أن نهضة الشعوب لا تظهر من عدم، فللعدم حديث علمي آخر، أما النهضة فقد تبزغ في لحظة شعبية، لكن بالتأكيد تقف خلفها محاولات ومحاولات.
ملاك العطار
