أرطبون العرب وأرطبون الروم – بقلم : مشعل السعيد
الأرطبون اسم لاتيني أصله «أتربون» و«أرتيون» ويطلق على القائد من قادة الروم، وقد يسمى نائبا لأنه كان ينتخب، ويفسر أيضا بالداهية البعيد الغور الحاد الذكاء الذي حنكته التجارب، لذلك سمى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب القائد الفذ عمرو بن العاص بأرطبون العرب لتكامل هذه الصفات به.
ولهذه التسمية قصة فقد وصل عمرو بن العاص بجيشه الى فلسطين وكان بها الأرطبون وهو باقعة ذكاء وحنكة، فأرسل له عمرو رسلا عدة ولكنهم لم يأتوه بما يريد من أخبار، فعلم أن الأرطبون ليس بالرجل السهل فقرر أن يذهب إليه على هيئة رسول ليرى بعينه استعداداته لعله يرى ثغرة في الحصن، خاصة أن ارطبون الروم في منعة وحصن حصين، فذهب إليه وتأمل في طريقه عيوب حصنه من الداخل ومراكز جنوده وأماكنه المهمة ثم دخل عليه وحاوره طويلا بترجمان فشك الأرطبون بدهائه في أمره، وأحس ان الذي يكلمه ليس رسولا، وإنما شخص مهم للغاية وقال لمن حوله: كلام هذا الرجل ليس بكلام رسول ولا أظنه إلا قائد المسلمين عمرو بن العاص، ونحن القادة نعرف بعضنا بعضا، وهي فرصة سانحة لقتله وإن لم يكن عمرو بن العاص فهو من كبار قادتهم، وفي قتله وهن للمسلمين، فقالوا له: إن كنت ولابد فاعلا فاقتله خارج الحصن، فأمر الارطبون أن يرمى عمرو بسهم وهو خارج من الحصن وعمرو لا يعلم من امرهم شيئا.
لكن ما حدث أنه أثناء خروج عمرو بن العاص من الحصن قال له رجل عربي كان صديقا له قبل الإسلام: يا عمرو أحسنت الدخول فأحسن الخروج، ففهم ابو عبدالله وعمد إلى الحيلة، فعاد الى الأرطبون وعرض عليه ان يعود إليه غدا ومعه تسعة رسل هو عاشرهم لعل الله يحقن الدماء ويتم الصلح، فأعجب بالفكرة وانطلت عليه الحيلة وفاق عمرو بذكائه ذكاء الأرطبون، وقال في نفسه: أقتل عشرة أفضل من قتل واحد (وكل طامة عليها من الله طامة) ونجا عمرو من القتل، فقد أمره أن يذهب ويأتيه بأصحابه فخرج عمرو وأقسم ألا يعود لمثلها، فلما تباطأ وصول الرسل بعث برسول الى عمرو فقال عمرو لرسول الأرطبون: قل لصاحبك إني الرسول الذي كنت عنده بالأمس ولن أغادر حصنك حتى يفتحه الله على المسلمين، ثم قال عمر بن الخطاب بعد ذلك (رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب). ودمتم سالمين.